من قاع الخابية:"راه وِلادُ الحَرامِ كيَعْرِفُوا بَعْضَياتهُمْ"

من قاع الخابية:"راه وِلادُ الحَرامِ كيَعْرِفُوا بَعْضَياتهُمْ"
قصة قصيرة / الجمعة 07 مارس 2025 - 21:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/إيطاليا

في قديم الزمان، كان هناك رجل في إحدى القرى يُدعى "سعدون" وكان له ثلاثة أبناء، وكان يناديهم جميعًا بنفس الاسم "عُمرْ وعُمَرْ ووْلَدْ لْحْرام".
ومع مرور الوقت، كان هذا النداء يشعل الشك والحيرة في نفوس الأبناء الثلاثة، كل واحد منهم كان يعتقد أنه هو "عمر"، بينما الآخر هو "ابن الحرام"، أي اللقيط الذي تربى على يد الرجل "سعدون" للقيام بعمل الخير فيه فقط، لكن كان في قلبه سر، حيث كان يعلم أن أحدهم ليس من صلب "سعدون"، لكنهم تركوا الأيام تكشف الحقيقة.
مات "سعدون"، وبدأت مراسم العزاء، وبعد انتهائها اجتمع الأبناء الثلاثة للحديث عن تقسيم التركة التي تركها والدهم، اختلفوا في قسمة الإرث، وعادوا إلى النداء الذي كان يطلقه والدهم: "عُمرْ وعُمَرْ ووْلَدْ لْحْرام"، اتفقوا في النهاية على أن "ابن الحرام" لا يرث، وفقًا لأحكام الميراث المتعارف عليها، إلا إذا ترك "سعدون" وصية، لكن لم تكن هناك وصية.
فقرروا الهجرة بحثًا عن حل لهذه المعضلة، وبعد رحلة طويلة، قابلهم رجل في الطريق وسألهم إن كانوا قد رأوا بغلاً ضائعًا له.
سأل الأول من أبناء "سعدون": "هل هو أعور؟" فأجاب الرجل: "نعم، هو أعور".
ثم سأل الثاني: "هل هو أعرج؟" فأجاب الرجل: "نعم، هو أعرج".
وأخيرًا، سأل الثالث: "هل البغل مقطوع الذيل؟" فأجاب الرجل: "نعم، مقطوع الذيل".
فابتسموا جميعًا ضاحكين وقالوا: "لم نره"، ولكن الرجل الغاضب سحب سيفه وقال: "لن تبرحوا المكان حتى تُعيدوا لي بغلي"، ومن ثم، اتفقوا على التوجه إلى الحاكم لحل النزاع.
وعند الحاكم، تحدث الرجل صاحب البغل الضائع وقال: "هؤلاء الثلاثة سرقوا بغلي"، فسأله الحاكم كيف عرف أن هؤلاء الثلاثة هم من سرقوا البغل.
أجاب الرجل: "سألتهم عن أوصافه وأجابوني بشكل دقيق عن أوصافه قبل أن أصفه لهم، فكيف لهم أن يعرفوا أوصافه المميزة إن لم يرونه أو يأخذوه؟".
سأل الحاكم الأبناء: "هل ذكرتم هذه الأوصاف؟"، فأجابوا جميعًا: "نعم، هذه هي أوصاف البغل كما وصفناها".
فسألهم الحاكم: "كيف عرفتم هذه الأوصاف إذاً؟"
أجاب الأول: "عندما كنا في الطريق لاحظت أن النباتات كانت مأكولة من جهة واحدة على طول الطريق من جهة اليمين، وهذا يدل على أن البغل أعور".
قال الحاكم: "هذا تفسير منطقي".
قال الثاني: "لاحظت أثرًا لثلاثة أرجل فقط في الأرض بدلاً من أربعة حوافر، وهذا يدل على أن البغل أعرج يمشي بثلاثة".
قال الحاكم: "نعم، هذا أيضًا تفسير منطقي".
ثم قال الثالث: "لاحظت أن روث البغل كان مكدسًا وعبارة عن أكوام فوق الأرض، وهذا يشير إلى أن البغل مقطوع الذيل حيث إن البغال عندما ترمي روثها تفتته بذيلها، لأنه لا يستطيع تحريك ذيله بشكل طبيعي"، يعني أنه مقطوع.
قال الحاكم: "بالفعل، هذا تفسير معقول".
بدهشة من ذكائهم، قرر الحاكم أن يطرد الرجل الذي اشتكى وقال لأبناء "سعدون": "أنتم ضيوفي الليلة على العشاء"، وبعد أن ذبح الحاكم خروفًا لضيوفه، بدأ الحديث بينهم، وسألهم عن سبب مغادرتهم لقريتهم، فأجاب أحد الأبناء قائلاً: "كان والدنا ينادينا عمر وعمر وابن الحرام، وعندما مات ترك لنا إرثًا، واختلفنا في القسمة لأن ابن الحرام لا يرث حسب شرع الميراث، ونحن لا نعرف من هو ابن الحرام بيننا".
وعندما وضع الخروف المشوي على مائدة الطعام، تقدم الأول ووضع يده ثم تراجع وقال: "هذا الطعام حرام"، ثم تراجع.
الثاني قال: "لحم هذا الخروف حرام"، أما الثالث، فلم يتحرك وقال: "صاحب الطعام حرامي وابن حرام".
حينها انفجر الحاكم غاضبًا وقال: "سوف تقطع رؤوسكم في الحال إن لم تحلوا المسألة الآن".
قال الأول: "اذهب إلى خازن بيت الحبوب واسأله، وستعرف أنه لا يخرج الزكاة"، وعندما تحقق الحاكم من ذلك، تأكد أن الطحين أصبح حرامًا.
ثم قال الثاني: "اذهب إلى راعي الغنم، واسأله عن الخروف"، فتبين من راعي الغنم أن الخروف قد رضع من حليب كلبة بعد وفاة أمه، فتأكد الحاكم أن هذا أيضًا يفسر حرمته.
وأخيرًا، قال الثالث: "اذهب إلى أمك واسألها"، فقالت الأم: "أنت لست ابن الحاكم، بل خنت والدك مع الخادم، وعندما كان والدك عاقرًا، اضطررت إلى فعل هذا ليبقى الحكم بين يدي ويؤول إليك".
وعند هذا، قال الحاكم: "نجوتم جميعًا، لكن هل عرفتم من هو ابن الحرام بينكم؟".
فقال الأول والثاني والثالث: "عندما وضعت وجبة العشاء، أنا من قلت الطعام حرام"، فرد عليه الحاكم: "أنت عمر".
وقال الثاني: "أنا قلت الخروف حرام"، فرد عليه الحاكم: "أنت عمر".
وقال الثالث: "أنا قلت صاحب الطعام حرامي أي لقيط"، فرد عليه الحاكم: "أنت هو ولد الحرام، حيث وِلادُ الحرامِ كيَعْرِفُوا بَعْضِيَّاتْهُمْ".
وهكذا، انتهت القصة بكشف السر وتوزيع الإرث.
هي إحدى قصص تراثنا التي تحمل في طياتها عبرة وحكمة، وتعكس ذكاء الأجداد في صياغة الحكايات ذات المغزى العميق. لنحافظ على تراثنا الشعبي وننقله للأجيال القادمة ليبقى جزءًا من هويتنا وثقافتنا.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك