من قاع الخابية: ثَمَنُ "سِيرُوجِي وَحْدَةَ وَ جُوجِ سِيرُوجِيَّاتْ" .

من قاع الخابية: ثَمَنُ "سِيرُوجِي وَحْدَةَ وَ جُوجِ سِيرُوجِيَّاتْ" .
قصة قصيرة / الاثنين 10 مارس 2025 - 21:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/إيطاليا.

تقول الحكاية، كان في إحدى الأحياء الشعبية في قرية صغيرة على ضفاف قريبة من النهر الأخضر الجميل حي شعبي تركه الاستعمار، يدعى "درب الجوع"، هذا هو اسمه المعروف عند ساكنة القرية كلها.

في ذلك الشارع، عند المدخل من جهة الشارع الرئيسي، تجد عربات النعناع مصطفة، وعربات بائعي الخبز ونساء يبعن "السّْمَنْ والرّغايِفْ"...، ودكانين واحد على اليمين والآخر على اليسار، والعربات المجرورة بالخيول، جانبها سيارات النقل السري "الخطّافَة"، في الحقيقة هي مناظر جميلة في الذاكرة، لكن مع عصرنة الزمان لم تعد مقبولة.

في هذا الشارع، وهو من أقدم الشوارع بالقرية، توجد فيه دكاكين مصطفة، يوجد الحلاق والميكانيكي والنجار وبائع علف الخيول، ومقاهي علماء لعبة الورقة "الكارْطَة"، وقلت علماء لأنهم يحفظون أربعين ورقة، ما سقط وما بقي في يد الخصم، يباهون على بعضهم البعض في مقابلات، تارة فريقان من أربعة أشخاص اثنان مقابل اثنين، وأخرى واحد مقابل واحد، يلعبون : "الرونْدا – تْريس – كْحَل – دْكَنْ لو – كانْت - قَنْطَر"، جميع الألعاب تجدها في هذه المقاهي الشعبية، يجلسون على الحصيرة، ممنوع الكراسي، يوزعون المشروبات على الجماهير التي تنقسم إلى فريقين لأجل خلق جو من الحماس، غالبًا الشاي، وتجدهم يتغامزون فيما بينهم، وكل واحد يرمي الآخر بكلمة حتى يؤثر عليه ويربكه، "التَّقْشَابْ نايْضْ"، حرب فكاهية مضيعة للوقت، "قُلْتْ ما يْدارْ"  .

في شارعنا هذا، يوجد دكان صغير لأحد مصلحي الساعات، " الماڭْني /G"، الحائطية واليدوية، وأشياء أخرى بعيدة عن التكنولوجيا، عنده منها حساسية.

" الماڭْني /G" مصلح الساعات في دكان صغير حوالي متر ونصف على مترين، هذه هي مساحة الدكان، مليئة بالغبار، توجد عنده ساعات تعود لعهد "أبو لهب"، يظل يحولها من مكان لآخر، لا تباع وغير قابلة للتفاوض عليها، الساعات تحكي له ذكريات تذكره بالماضي، "سْنينْ الخيرْ"، بين الفينة والأخرى يخرج رأسه من المحل ويصيح على لاعبي الورق " الكارطة" " والمعطي واش نعيط لا بيلانص تهز العايدي" يريد أن يغير صدر العايدي الخاسر على أن سيارة الإسعاف ستحمله نظير خسارته أمام "المعطي"  .

تتعالى الضحكات يستشيط العايدي غضبا حيث أن الحظ لم يساعده الفوز ، "المعطي" يرد على " الماڭْني /G"، " صبر شوية بلاتي راه غادي يولد هنا بلا ما يمشي للطبيب "، ترتفع الضحكات قلوب سعيدة بعيدة كل البعد عن الحقد والكراهية، وبعد نهاية المقابل يدفع " العايدي" ثمن براد الشاي وينخرط في الضحك والهزال متوعدا " المعطي" بالإنتقام في الجولات القادمة.

وصلت العطلة الصيفية، "المَاڭْنِي" له ابن صغير اسمه "المْدَنْدَنْ"، جاء ليتعلم الصنعة من أبيه. بينما " الماڭْني /G" أعد كأس شاي "مُشَحَّرْ" على نار هادئة، جاء أحد الزبائن يريد أن يصلح ساعته اليدوية، أعطاها للولد الصغير، "المْدَنْدَنْ"، رأى الساعة وقلبها بين يديه وقال للرجل: "انْتَظَرْ خَمْسْ دْقَايقْ وتاخُدْها فْيَدَّكْ"  .

قفز " الماڭْني /G" من مكانه مسرعًا، "أعطني أتفحصها"، أمسك الساعة في يده ونهر ابنه بشدة أمام الزبون: "كيف تقول للرجل خَمْسْ دْقَايقْ؟ انتَ ما زِلْتْ صْغيرْ ولا تْتقنْ الصّْنعة، "هادي راهْ خَاصْها سِيرُوجي باشْ يْدُورْ الموطورْ" .

قال لولده "المْدَنْدَنْ": لا تتسرع مرة أخرى. اعتذر " الماڭْني /G" للرجل، وقال له: "أعتذر منك، إنه ما زال طفلاً ولا يعرف شيئًا، تعال في اليوم التالي وسوف أصلحها لك أنا بيدي"، ذهب الرجل.

" الماڭْني /G" وضع ساعة الرجل على الطاولة وأخذ يدخن سيجارة، احتار "المْدَنْدَنْ"، فسأل أباه قائلاً: "يا أبي، ما هو سِيرُوجي؟ . لم أسمع به من قبل"  .

ضحك الأب " الماڭْني /G"بنخوة تعلوها خبرة الحياة والتجارب والمحن من سؤال ابنه "المْدَنْدَنْ" الذي لم يخبر الحياة ولم يعرف المكر بعد، فقال له: "سِيرُوجي" لا علاقة له "بموتور" محرك الساعة .

إسمع يا ولدي، قلت يحتاج "سِيرُوجي" بخفة حتى لا ينتبه الزبون للمعنى الحقيقي، أي "سِيرْ" يذهب، "وْجي" يرجع، "سِيرُوجي"، إن أغلب الزبائن، يا ولدي، إن أصلحت له الشيء في وقت وجيز وأمام أعينه كان سوف يعطيك 10 دراهم على الأكثر وإن لم يقل " الله يرحم الوالدين"، ولكن في اليوم التالي، لأنه لم يرَ ما فعلت، هدفه أن تكون الساعة قد أصلحت، سوف أطلب منه 50 درهم وسيدفع، لأن الناس، يا ولدي، لا تقدر العلم والمعرفة والصنعة، وإنما تؤمن بالوقت وطريقة الإصلاح، سهلة أم صعبة، عادية أم متعبة، وهذه معايير خاطئة في التعامل مع الحرفيين المهنيين، قيمة الشيء لا تقدر بالوقت والجهد وإنما بالمهارة والإتقان .

وكبر الولد "المْدَنْدَنْ"، وتوفي الأب، وجلس الابن في الدكان الذي تركه والده " الماڭْني /G"، كان عندما يأتي إليه زبون لإصلاح ساعة، يقول له : "هادي خَاصْها جُوجْ سِيرُوجياتْ نمشي للمدينة غدً ونجيبهم"، وفي اليوم التالي أعمل على تركيبهم وإصلاحها، وسار على درب والده، كان والده يحسب ثمن "سِيرُوجي" الوحدة بـ50 درهمًا، أما الولد فيحسب "جُوجْ سِيرُوجياتْ" بـ100 درهم"، "الجِنْشْ يُولَّدْ غِيرْ ما طُولْ مِنُّو" .

القصة التي سردت تسلط الضوء على أحد أوجه العلاقات الإنسانية بين الصانع والزبون، حيث يتجلى فيها احترام كل طرف للآخر. في الواقع، يجب على الصانع أن يكون مخلصًا في عمله، مدركًا أهمية الإتقان والجودة في تقديم خدماته، وعلى الزبون أيضًا أن يقدر مهارات الصانع، ويعطيه الوقت الكافي لإتمام العمل بالطريقة التي تضمن أفضل النتائج. العلاقات بين الطرفين لا ينبغي أن تكون مبنية على السرعة أو على تقليل قيمة العمل، بل على الثقة المتبادلة والاحترام المتواصل.

القصة تبرز الحياة البسيطة في حي شعبي حيث كانت العلاقات بين الناس تتميز بالاحترام والمزاح الطيب، وكانت الحياة تدور حول العمل اليدوي البسيط مثل إصلاح الساعات، مع لمسة من الفكاهة والتعاون بين الصانع والزبون، كان الصانعون يحترمون مهاراتهم، والزبائن يقدرون الوقت والمجهود المبذول.

على الرغم من تطور الزمان، كانت البساطة والابتسامة جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، حيث كان الجميع يتعاملون مع بعضهم بروح مرحة، ويقضون أوقاتهم في لعب "الكارطة" والضحك. لكن مع مرور الوقت، تغيرت الأمور وأصبح تركيز الناس على الوقت والجودة أكثر من الاهتمام بالمشاركة الفعالة في العمل المشترك.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك