حين التقى الحق بالسحر...موسى عليه السلام في مواجهة سحرة فرعون

حين التقى الحق بالسحر...موسى عليه السلام في مواجهة سحرة فرعون
قصة قصيرة / الأربعاء 09 يوليو 2025 - 23:30 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: هيئة التحرير

في ذروة طغيان فرعون وجبروته، حين ادّعى الألوهية وسخّر القوم لعبادته، أتى موسى عليه السلام برسالة الحق والحرية، يحملها من رب العزة إلى شعب مسحوق تحت نير العبودية. لم يكن نداء موسى دعوة عابرة، بل كان زلزالًا هزّ أركان الحكم الفرعوني، وبدأ الصراع بين الحقيقة النازلة من السماء، والباطل المصنوع من هواجس الطغاة.

فرعون، الطاغية المتغطرس، لم يتحمّل دعوة موسى، ولم يطق صبرًا على آياته التي بدأت تُظهر للناس آفاقًا جديدة للحرية والكرامة. فكان أول رده الاتهام بالسحر، واتخاذ السخرية منهجًا لإسكات صوت النبوة. قال: "إن هذا لساحر عليم". ولم يكن ليرضى بأن تظل دعوة موسى تمضي دون أن يُجهز لها مواجهة تستعرض قوته وسطوته أمام الشعب.

استدعى فرعون كل سحرة المملكة، من الأقاصي والحواضر، وجمعهم ليوم معلوم، وجعل من ذلك اليوم عيدًا عامًا ليحشد الناس ويثير الرهبة في القلوب. كان هدفه بسيطًا: سحق موسى نفسيًا أمام الجماهير، وسحق رسالته في مهدها أمام سطوة السحر المنظم المدعوم من السلطة.

وفي يوم الزينة، اجتمع الناس من كل فج، تتقاطع نظراتهم بين الفضول والخوف، وقد اصطف السحرة في ساحة المواجهة، يحملون الحبال والعصي، ومعهم زينة فرعون وعتاده، وخلفهم جحافل الأمن والجنود والوزراء. مشهد ملحمي ينتظر فيه الجميع لحظة الحسم.

تقدّم موسى عليه السلام بثقة الأنبياء، لا يملك سلاحًا سوى عصاه، ولا يملك جيشًا سوى يقينه بربه. خاطب السحرة بلغة العقل، محذّرًا إياهم من الكفر والافتراء، قائلاً: "ويلكم لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب".

لكن السحرة، وقد أُغري بعضهم بالمال والمكانة، ألقوا حبالهم وعصيهم، فإذا بها تتحرك كأنها حيات، تخدع الأبصار وتربك العقول. خُيّل للناس أن السحر قد غلب، وارتعد قلب موسى عليه السلام للحظة إنسانية طبيعية، ولكن الوحي جاءه مطمئنًا: "لا تخف إنك أنت الأعلى".

فألقى موسى عصاه، فصارت ثعبانًا حقيقيًا، لا وهْمَ فيه ولا خداع، تبتلع ما صنعوا دون أن تترك أثرًا. صُدم السحرة، وسقطت أقنعتهم، وخرّوا ساجدين، بعدما عرفوا أن هذا ليس سحرًا، بل آية ربانية لا قبل لهم بها.

في لحظة واحدة، تحولت المعركة من مواجهة بين موسى والسحرة، إلى مواجهة بين فرعون والحقيقة. السحرة الذين جاؤوا بأمر الطاغية، أعلنوا إيمانهم برب موسى وهارون، متحدّين السلطة ومستنيرين بنور اليقين.

غضب فرعون، فهددهم بالتعذيب والقتل والتنكيل، لكن الإيمان إذا خالط القلوب، لم تَهُن أمام التهديد. قالوا له: "فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا". كانت كلماتهم أشد على فرعون من عصا موسى نفسها.

تحوّل السحرة من أعداء للحق إلى شهداء له، وخلّدهم التاريخ في صفحات الإيمان، كأول من واجه فرعون من داخل منظومته، وتمرّد عليه حين رأى نور الله يسطع في معجزة لا تنتمي لعالم الشعوذة والخداع.

كانت تلك اللحظة علامة فارقة في مسيرة الدعوة، وحدثًا غيّر موازين القوة في قلوب الناس. فحتى وإن استمر طغيان فرعون بعدها، فإن بذرة الوعي قد زُرعت في النفوس، والرهبة التي كانت تحيط بالحكم قد تكسّرت.

موسى عليه السلام لم يواجه فرعون بالسلاح، بل واجهه بالثقة بالله، وبالرسالة التي لا تحتاج إلى صخب، فقط إلى إيمان لا يتزعزع. لقد علم الناس أن كلمة واحدة من الحق، قد تسقط أبراج الظلم مهما بدت منيعة.

السحرة، الذين كانوا في خدمة السلطان، أصبحوا شهداء دعوة، وصدقهم الله فخلد ذكراهم، وأصبحوا جزءًا من قصة إلهية تُتلى إلى يوم القيامة، تبيّن كيف يمكن للقلب أن يتحرر بلحظة صدق.

قصة موسى وسحرة فرعون ليست مجرد حكاية تاريخية، بل درس أبدي في أن الحق لا يُهزم إذا أخلص حامله، وأن الطغيان مهما علا، يسقط أمام يقين الأنبياء، وعزيمة المؤمنين.

إنها قصة لا تزال تتكرر بأشكال متعددة في كل عصر، حين يواجه صوت الصدق جدار الطغيان، فيكون الإيمان هو السلاح الذي لا يُقهر، ويكون الله هو النصير الذي لا يُهزم.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك