حين احترق الجسد وانتصر الإيمان..قصة أصحاب الأخدود كما لم تُروَ من قبل

حين احترق الجسد وانتصر الإيمان..قصة أصحاب الأخدود كما لم تُروَ من قبل
قصة قصيرة / السبت 05 يوليو 2025 - 00:05 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: هيئة التحرير

في زمن منسيّ من تواريخ الطغيان، وفي مملكة يتربّع على عرشها ملك لا يُرد له أمر، بدأت قصة أصحاب الأخدود... رجال ونساء وأطفال لم يحملوا سيفًا ولا راية، بل كلمة "لا إله إلا الله"، فكان الثمن حفر الخنادق وإشعال النيران.

في تلك البلاد، كان الملك يدّعي الألوهية، ويفرض على الناس عبادته قسرًا. وكان له ساحر عجوز يمده بالخداع والخرافة، فلما شاخ الساحر، طلب أن يُرسل له غلامًا ذكيًا يُعلمه أسرار الشعوذة، فاختاروا غلامًا فطنًا نبيل القلب، كتب له القدر أن يقلب موازين المملكة كلها.

الغلام، في طريقه إلى الساحر، التقى راهبًا من الموحدين، كان يعبُد الله في الخفاء. بين الغلام والراهب نشأت علاقة سرية من نور وإيمان، وبدأ الغلام يدرك أن ما عند الراهب حق، وما يلقنه الساحر باطل.

صار الغلام يعيش ازدواجًا روحيًا: قلبه مع الراهب وجسده في حضرة الساحر. حتى إذا رأى يومًا دابة تقطع طريق الناس، نادى ربه قائلاً: "اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة"، فرماها بحجر فماتت. عندها تيقن الغلام أن الحق مع الله وحده.

توالت الكرامات، وذاع صيت الغلام، وبدأ الناس يقبلون على دين التوحيد أفواجًا، وبلغ الأمر مسامع الملك، الذي رأى في الغلام خطرًا على سلطانه، فاستدعاه، فاعترف الفتى بدينه. حاول قتله مرة واثنتين وثلاثًا، يرميه من جبل، ويلقيه في البحر، فيعود حيًا. حتى قال له الغلام: "لن تقتلني حتى تفعل ما آمرك به".

قال الملك: "وما هو؟"، قال: "اجمع الناس كلهم، وصلبني، وخذ سهمًا من كنانتي، وقل: باسم رب الغلام"، ثم ارمني، ففعل. فلما نطق الملك بالبسملة، ومات الغلام، صاح الناس كلهم: "آمنا برب الغلام!"

اهتز العرش، وثار الملك غضبًا، فأمر بحفر الأخاديد الكبيرة، وأُضرمت فيها النيران، ثم خُيّر الناس: الكفر أو النار. فاختلفت الأجساد، لكن الأرواح سمت... تساقطوا في النيران، والابتسامة على وجوههم نورًا، وأجسادهم وقودًا لحكاية خالدة.

وكانت من بين الضحايا أمًا تحمل رضيعًا، تردّدت، فكاد الشك يتسلل لقلبها، فإذا بالرضيع يتكلم: "يا أماه اصبري، فإنك على الحق"، فقفزت به في النار، دون أن تهتز لها عين.

لم يكن حريقًا عاديًا، بل ملحمة إيمان لا تنطفئ، سجلها القرآن في سورة البروج، ليكون لأصحاب الأخدود ذكرًا خالدًا، لا تمحوه السنون، ولا تطفئه نار الطغاة.

"قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود"، ليست فقط آية، بل صفعة في وجه كل من ظن أن القتل يُطفئ الحق، أو أن الحرق يُسكت الكلمة.

لم تكن نهاية الغلام بداية النهاية، بل كانت شرارة لبداية انبعاث التوحيد من تحت الرماد، وكأن الله أراد أن يُعلّم الطغاة أن الإيمان لا يُسجن، بل يشتعل.

أصحاب الأخدود لم يحملوا سلاحًا، لكنهم غلبوا جيوشًا، لم يصرخوا في وجوه الظالمين، لكن نارهم أربكت مملكة الكفر.

من رمادهم خرجت دروس لا تموت: أن العقيدة أغلى من الروح، وأن الجمر أهون من الخضوع، وأن صوت الطفل الذي نطق في حضن أمه، هو أعظم من آلاف البنادق.

قصة أصحاب الأخدود ليست حكاية للتسلية، بل دمٌ يسيل من صفحات التاريخ، ووصية للقلوب ألا تُساوم على الإيمان ولو اشتعلت الجحيم.

هؤلاء هم الأبطال الذين لم تُرفع لهم تماثيل، ولم تُنصب لهم قبور، لكنهم سكنوا الخلود بنار صبرهم، وكتبوا أسماءهم بحروف من لهب على جدار السماء.

إنه الوفاء للعقيدة، حين يكون الموت أهون من الانحناء، وحين يكون السقوط في النار، صعودًا إلى جنات الله العليا.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك