"نهار بغات تجي جات بسبيبة، ونهار بغات تمشي قطعات السلاسل ومشات"

"نهار بغات تجي جات بسبيبة، ونهار بغات تمشي قطعات السلاسل ومشات"
قصة قصيرة / الثلاثاء 04 مارس 2025 - 21:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/إيطاليا

كان الصياد حمان رجلاً بسيطًا، يقصد البحر كل صباح ليصطاد ما تيسر من السمك، يأكل بعضه مع زوجته زبيدة وأطفاله، ويبيع الباقي ليشتري ضروريات البيت من سكر وزيت وطحين، رغم قسوة البحر ومخاطر الصيد، لم يكن يشكو، فقد كان البحر مصدر رزقه الذي ألفه واعتاد عليه، لكن لم يكن يعلم أن البحر الذي يعطي يمكن أن يأخذ في لحظة لا تخطر على البال.

في أحد الأيام، خرج حمان كعادته مع إشراقة الفجر، وألقى صنارته في الماء، لكنه هذه المرة لم يشعر بتلك الحركة المعتادة للأسماك التي تتخبط عند الاصطياد، كانت الصنارة عالقة بشيء ثقيل، حاول سحبها بكل قوته لكنها لم تتحرك، فاعتقد أنها سمكة ضخمة.

ومع مرور الوقت، بدأ الشك يساوره، إذ لم تكن هناك أي مقاومة، مما جعله يفكر بأنها ربما علقت بصخرة في قاع البحر.

لم يتردد كثيرًا، فقرر النزول إلى الماء متلمسًا الصخور بحذر كي لا يسقط في العمق، وعندما وصل إلى حيث علقت صنارته، فوجئ برؤية صندوق عالق في القاع، مغلق بإحكام ومغطى بالطحالب والأصداف البحرية.

 استجمع قواه، وأمسك به بكل طاقته، ثم حمله إلى الشاطئ، لم يكن يدري أن هذه اللحظة ستغير حياته إلى الأبد.

فتح الصندوق بلهفة، وإذا ببريق المجوهرات والألماس والذهب يلمع أمام عينيه، أصيب بالذهول وهو يتأمل هذا الكنز الذي لم يكن يحلم به حتى في أكثر خيالاته جموحًا، حمله وعاد إلى منزله مسرعًا، ليخبر زبيدة التي لم تصدق عينيها عندما رأت الثروة الهائلة أمامها.

منذ تلك اللحظة، تغيرت حياة حمان، وباع الكنز بمبالغ ضخمة جعلته من أثرى أثرياء المدينة، فكر كثيرًا فيما سيفعل بهذه الأموال، فاقترحت عليه زبيدة أن يستثمرها في شراء الأراضي والعقارات وتأجير المنازل، فهي تجارة آمنة ومضمونة.

لكنه لم يقتنع، ورد عليها قائلاً: "لقد جاءتني الفرصة من البحر، والبحر هو الذي سأستثمر فيه".

دون تردد، أنفق حمان كل أمواله على شراء بواخر صيد عملاقة، وأسس أسطولًا بحريًا للصيد والملاحة، آملاً أن يصبح واحدًا من كبار المليارديرات، فقد رأى في البحر كنزه الذي لا ينضب، لم يلتفت لنصيحة زوجته، التي حذرته من تقلبات البحر وغدره، فهو لا يمنح إلا ليأخذ متى شاء.

مرت الأيام، وكبرت ثروة حمان، وأصبح يملك أكبر أسطول للصيد في منطقته، كانت أحلامه تكبر معه، ولم يكن يتخيل أن هناك قوة قادرة على سلبه كل ما بناه، لكنه لم يدرك أن البحر، كما يمنح، يمكن أن يسترد ما أعطاه دون سابق إنذار.

وفي ليلة مظلمة، هبت عاصفة هوجاء لم يشهد البحر مثلها من قبل، الرياح كانت تعوي كأنها وحوش غاضبة، والأمواج العاتية تضرب الشواطئ بلا رحمة، لم تستطع السلاسل الحديدية الغليظة التي تربط بواخر حمان أن تصمد، فانقطعت واحدة تلو الأخرى، وكأنها خيوط واهية في وجه غضب الطبيعة.

لم يمر وقت طويل حتى كانت جميع بواخره قد تحطمت أو ابتلعها البحر، وكأنها لم تكن، في غضون ساعات، خسر كل شيء، وعاد إلى حاله الأول، بلا مال ولا سفن، وكأن البحر أراد أن يعلمه درسًا قاسيًا لا يُنسى.

عندما رأى حمان ما حل به، لم يصرخ ولم يبكِ، بل اكتفى بالابتسامة. وقفت زبيدة زوجته أمامه، ونظرت إليه بحزن وقالت:ألم أقل لك أن تستثمر في العقارات؟ .

أرأيت إلى أين قادك تهورك وقرارك الخاطئ؟.  

 لكنه لم يندم، بل ضحك ساخرًا وقال:

"نهار الدنيا بغات تجي جات بسبيبة، ونهار بغات تمشي قطعات السلاسل ومشات" .

كانت حكمته في تلك اللحظة تلخص دروس الحياة كلهاالفرص تأتي أحيانًا بأبسط الأشياء، وقد تذهب بأعظمها، وما نتمسك به قد يضيع رغم كل محاولاتنا للحفاظ عليه، لأن الأقدار تسير وفق مشيئة لا نتحكم بهاوهكذا، عاد حمان إلى صيد السمك بصنارته القصبية، وكأن شيئًا لم يكن.

من حكاياتنا الشعبية : تختلف طريقة الحكي فقط .

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك