
أنتلجنسيا المغرب: الرباط
كان يعيش
مشردا على أرصفة الأزقة الضيقة، يتسول لقمة يومه بوجه شاحب وملابس ممزقة، لا يعرف
من الحياة سوى قسوتها ولا من البشر سوى نظرات شفقة أو ازدراء.
قضى سنوات
طويلة بين القمامة والحفر، يبحث عن بقايا خبز يابس أو زجاجة بلاستيكية يبيعها بثمن
بخس، ولم يكن يتخيل أن حظه سيتحول ذات صباح بارد حين مد يده داخل كيس مهمل.
وجد الكيس
أثقل من المعتاد، ظن أنه مملوء بالحجارة أو الحديد، لكن قلبه خفق بشدة حين لمعت
أمام عينيه بريقات لم يألفها من قبل.
كان الكيس
مملوءا بمجوهرات ثمينة، خواتم مرصعة وأساور ذهبية وقطع نادرة، بدا له المشهد أقرب
إلى الحلم منه إلى الحقيقة.
أخذ يتلفت
حوله، يخشى أن يكون أحدهم قد رآه، ثم خبأ الكيس في صدره وسار بخطوات مرتجفة نحو
مكان آمن.
في تلك
الليلة، لم يستطع النوم، تتصارع داخله مشاعر الطمع والخوف والدهشة، هل يحتفظ بها؟
هل يبيعها؟ هل يخسر حياته إن كُشف أمره؟
بعد أيام
من التردد، لجأ إلى صائغ قديم يعرفه من بعيد، وحين أخرج أول قطعة، شهق الرجل قائلا
إنها تساوي ما لم يجمعه في عمره كله.
بدأ يبيع
شيئا فشيئا، وكل عملية بيع كانت تنقله من طبقة معدمة إلى طبقة أعلى، حتى وجد نفسه
يملك رأسمالا يمكنه من دخول عالم التجارة.
لم
يكتفِ ببيع المجوهرات، بل استثمر في تجارة الملابس المستعملة ثم في العقارات
الصغيرة، وكان ينجح بفضل حنكته وإصراره.
تحول
بسرعة إلى تاجر معروف في السوق، له مكانة وهيبة، يلبس أفخر الثياب ويركب سيارات
فارهة، لكن قلبه ظل مرتبطا بذكريات الشوارع.
لم ينسَ
كيف كانت قسوة الجوع تمزقه، وكيف كان يمد يده مرتجفا أمام المارة، لذلك خصص جزءا
كبيرا من ثروته لمساعدة الفقراء والمشردين.
أسس
مطعما خيريا يقدم الطعام مجانا، وفتح مأوى للمتسولين الذين لا مأوى لهم، وكان يقول
دوما: "لو لم تبتسم لي الصدفة، لكنت واحدا منهم إلى الأبد".
الناس
كانوا يتحدثون عنه بإعجاب، بعضهم وصفه بالمعجزة، وآخرون رأوا في قصته درسا بليغا
أن الأقدار قادرة على تغيير المصائر في لحظة.
أما هو،
فقد كان يرى نفسه مجرد إنسان كتبت له الحياة صفحة جديدة، وأقسم أن يكتبها بخير
ليكفر عن سنوات الضياع التي عاشها.
كبرت
تجارته واتسعت إلى مدن عدة، وصار اسمه يُذكر بين كبار الأثرياء، لكن صورته في ذهنه
بقيت صورة الرجل الذي كان يجلس على الرصيف بملابس مهترئة.
وفي كل
مناسبة، كان يحرص على النزول إلى الأحياء الفقيرة، يجلس بين المحتاجين، يشاركهم
الطعام ويستمع إلى قصصهم كما لو أنه واحد منهم.
تحولت
قصته إلى مصدر إلهام في المدينة، تُحكى في المدارس والمقاهي، كدليل على أن القدر
قد يخبئ مفاجآت مذهلة لا تخطر على بال.
وبينما
اعتبره البعض مجرد رجل محظوظ، كان آخرون يرونه مثالا على قوة الإصرار وحكمة من لا
ينسى جذوره.
ظل طوال
حياته يردد أن الثروة الحقيقية ليست ما وجده في كيس المجوهرات، بل ما تعلمه من معنى
العطاء، وكيف يحول الألم إلى رحمة.
هكذا انتهى مسار شحاذ بسيط إلى تاجر عظيم،
ليبقى الدرس الأكبر أن الكرامة الحقيقية لا تُشترى بالذهب، بل تُبنى بالعطف على
الآخرين.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك