قصة نبي الله يوسف الذي انتصر بالحكمة والصبر على الخيانة والمكيدة

قصة نبي الله يوسف الذي انتصر بالحكمة والصبر على الخيانة والمكيدة
قصة قصيرة / الثلاثاء 08 يوليو 2025 - 00:04 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:الرباط

وُلد يوسف عليه السلام في كنف نبيّ كريم هو يعقوب عليه السلام، ونشأ في بيت النبوة محاطًا بحب أبيه وحنانه، لكن هذا الحب أثار غيرة إخوته العشرة الذين رأوا فيه خطرًا يهدد مكانتهم، فنشأت أولى فصول الحقد والخيانة في قلب أقرب الناس إليه.

في ليلة حالكة، نفّذ الإخوة خطتهم الشيطانية، فألقوه في بئرٍ عميق، وتركوه يواجه المصير المجهول، ثم عادوا إلى أبيهم بدم كذبٍ على قميص يوسف، وعيون تتظاهر بالحزن، وقلوب غارقة في الغدر.

لكن عين الله لا تنام، إذ مرت قافلة تجارية بالبئر، فانتشلته وباعته في مصر بثمن بخس، وكأنهم لا يعلمون أنهم يبيعون قلب نبي، وروح أمة ستنهض من بركة صبره وفتنته.

دخل يوسف قصر العزيز عبدًا، لكنه كان يملك شيئًا لا يُشترى: النور الإلهي، والحكمة الربانية، والجمال الأخلاقي الذي لا تخطئه العين. أعجبت به امرأة العزيز، فتطاولت عليه، لكنه أبى أن يخون الأمانة ويغضب ربّه.

"ربّ السجن أحب إلي مما يدعونني إليه" قالها يوسف، فدخل السجن حرًّا بإرادته، وخرجت امرأة العزيز من القصة تجرّ ذيول الفضيحة، بعدما انقلب كيدها وبالًا عليها.

في السجن، لم يتوقف يوسف عن دوره النبوي، فكان مع السجناء مرشدًا ومبشّرًا، وفسّر لأحدهم رؤيا ستُعيده إلى القصر، وطلب منه أن يذكره عند الملك، لكن النسيان أخرجه من القبر الصغير بعد سنوات من الصبر.

عندما حلم الملك حلمًا استعصى على كل العرافين، تذكّر ساقيه يوسف في السجن، فجاءه يحمل الحلم الغامض، وإذا بيوسف يترجم رموز السنوات العجاف والسنوات الخصبة بحكمة خبير وعقل نبي.

أعجب الملك بفتاه العابر من الجُبّ إلى القصر، فعرض عليه أعلى المناصب، لكنه لم يرضَ بالمنصب قبل أن يُطهّر اسمه، ويُثبت للعالم أن يوسف ما خان، وأن الشرف لا يُدنّس حتى لو داسته مكائد النساء.

بفضل يوسف، أدار مصر اقتصادها في أصعب الفترات، فنجت من المجاعة، وتحولت إلى قبلة للنجدة في محيط جاف، ومن هنا بدأت لحظة اللقاء المؤلم مع إخوته، الذين جاؤوا إليه يطلبون الطعام ولم يعرفوه.

لم ينتقم يوسف، ولم يشهر الماضي كسيف، بل خبأ دمعه خلف الابتسامة، واختبرهم بصمت، حتى ظهرت التوبة في قلوبهم، وسقطت الأقنعة من وجوههم، فعرّفهم بنفسه، وجعل العفو شارة نبوته لا سيف سلطانه.

عاد الإخوة إلى أبيهم يعقوب، يحملون له البشرى بأن ابنه لم يمت، وأن الله جمع الشتات بعد طول الفراق، وحملوا إليه قميص يوسف الذي أعاد إليه البصر، وكأنّ يوسف لا يشفي القلوب فقط، بل يشفي العيون والندم.

دخل يعقوب أرض مصر، والتقى بابنه الذي صار عزيزها، وخرّ له أبواه وإخوته سُجدًا، فتجسدت رؤيا يوسف القديمة حين قال "إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين".

لقد عاش يوسف فصولًا من الألم، والجفاء، والافتراء، والسجن، لكنه لم يفقد صبره ولا رجاءه في الله، فكانت النتيجة عزة في الدنيا وخلودًا في الذكر، ونبوة تستمر دروسها إلى الأبد.

قصة يوسف ليست فقط دراما نبوية، بل هي مرآة تفضح قبح الكراهية، وسوء الظن، وكيد الأقربين، وتُظهر أن الطريق إلى المجد قد يبدأ من حفرة مظلمة.

يوسف رمزٌ لكل مظلوم، ولكل بريء في قفص الاتهام، ولكل من خانه الأحبة، وأداره الزمن في دوائر النسيان، ثم عاد ليُثبت أن الصدق لا يموت.

هو النبي الذي جاع ليسدّ جوع أمة، وتألم ليُداوي جراح أجيال، وعُرضت عليه الفاحشة فاختار السجن، وعُرض عليه الانتقام فاختار العفو.

من قصة يوسف نتعلم أن العظمة لا تُهدى، بل تُنتزع بالدموع، والصبر، والنقاء، وأن العبرة ليست بمن بدأ الرحلة، بل بمن ختمها على العرش.

وإن كانت امرأة العزيز قد راودته عن نفسه، فإن نساء اليوم يربين أبناءهن على ذكر يوسف، لأن الطهر صار اسمًا محفورًا في الجمال والإيمان.

يوسف ليس مجرد نبي، بل هو قصة كاملة للإنسان حين يتحول الألم إلى حكمة، والسجن إلى مجد، والمكيدة إلى نصر، بإرادة لا تلين.

هو نبي تجاوز كل المحن دون أن يُلوث قلبه بالكراهية، فاستحق أن يكون رمزًا للنصر الصامت، والعدل الرحيم، والبراءة المنتصرة.

قصة يوسف تبقى واحدة من أعظم قصص القرآن، لا لأنها فقط مؤثرة، بل لأنها مدرسة في العفة، والإدارة، والحب النقي، والعفو العظيم.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك