أنتلجنسيا المغرب:متجر "نوران"
في قديم الزمان، كانت هناك مملكة
اسمها "نوران"، يحكمها رجل يُدعى الملك ناصِر. جاء إلى العرش بعد سنوات
من الظلم عاشها الشعب تحت حكم أبيه القاسي، ففتح ناصِر الأبواب، وكسر القيود،
وأعاد للمواطنين كرامتهم. ولقّبه الناس بـ"ناصر القلوب"، لأنه أعاد لهم
الأمل في وطنٍ عادل.
كان ناصر شابًا متعلّمًا، مؤمنًا بأن
الحكم لا يستقيم إلا بالعدل. ومنذ اليوم الأول، منع الجباية الجائرة، وفتح خزائن
القصر لترميم المدارس والمستشفيات، وزار الأحياء الشعبية دون حراسة، يلمس معاناة
الناس بنفسه. وكانت عيون الفقراء تلمع كلما ذُكر اسمه.
بدأت المملكة تُزهر، وأصبحت نوران
حديث الممالك المجاورة، ليس فقط بخيراتها، بل بحاكمها المختلف. وعاش الناس سنوات
من الرخاء، حتى أن الجدّات صرن يحكين لأحفادهن أن "ناصر هو النعمة التي
أنقذتنا من النقمة".
لكن داخل أسوار القصر، كان شيء آخر
يغلي. كانت مجالس البلاط تهمس بتحذيرات من تنامي نفوذ بعض النخب الجديدة، وظهور
أصوات تطالب بالملكية الدستورية، وتقلص صلاحيات الملك. كان ناصر يسمع كل شيء،
ويبتسم... ثم يسكت.
في البداية، تجاهل التحذيرات، متمسكًا
بإيمانه أن الشعب الذي أحبه لن يغدر به. لكنه بدأ يشعر بتصدعات في جدران الحكم.
تحالفات تُعقد من وراء ظهره، وزعماء قبائل يعقدون الاجتماعات في الخفاء، وآخرون
يتحدثون عن "مستقبل نوران بعد ناصر".
تدريجيًا، بدأ الخوف يتسلّل إلى قلب
الحاكم العادل. وشيئًا فشيئًا، صار يُصغي أكثر لمستشاري البلاط الذين كانوا يدعونه
لـ"الحزم"، لا للرحمة. وكانوا يقولون له: "الحب جميل يا مولاي...
لكنه لا يحمي العرش".
ثم جاءت اللحظة الفاصلة. محاولة
انقلاب ناعمة، كشفها جهاز المخابرات. لم تكن دموية، لكنها كانت كافية لتُقنع ناصر
بأن الخطر الحقيقي ليس من خارج المملكة... بل من داخلها. من نفس الشعب الذي هتف
باسمه.
تبدّل ناصر. أغلق الأبواب التي فتحها.
زجّ ببعض معارضيه في السجون، وأعاد رجال أبيه إلى مواقعهم. قمع المظاهرات، وكمّم
الأفواه. وحين سأله بعض المقرّبين عن سبب هذا التغير، قال بنبرة باردة: "الرحمة
تصلح في الحب... لا في الحكم".
بدأت الناس تصمت، لا احترامًا، بل
خوفًا. وتحول "ناصر القلوب" إلى ظلٍ قاسٍ من ماضيه النقي. الإعلام
يُطبّل، والقصور تتضخم، والسجون تمتلئ، والناس تعود للهمس بدل الهتاف.
حاول البعض المقاومة، لكن النظام
الجديد كان أسرع وأقوى. وأد الحراك في مهده. وقال ناصر في خطاب رسمي: "لن
أسمح للفوضى أن تهدم ما بنيناه... حتى لو اضطررت للتضحية ببعض الحريات من أجل
الاستقرار".
لكن التضحية لم تكن "بعض
الحريات"... بل بالشعب كله. المدارس التي كانت تُرمم أُغلقت، الجمعيات التي
كانت تُكرم حوصرت، والوجوه التي أحبّت ناصر اختفت.
بعد سنوات، صار الأطفال يسمعون عن
"ناصر العادل" كقصة خرافية. لا يصدقون أن هذا الملك الذي يملأ الرعب
القلوب، كان يومًا ما رمزًا للكرامة.
في أحد الأيام، نظر ناصر من نافذة
قصره، فشاهد ساحةً كانت تعج بالأصوات، صارت اليوم صامتة. وسأل نفسه بصوت خافت:
"هل أحبوني حقًا؟ أم كنت فقط وسيلتهم للحلم؟".
لكنه لم ينتظر الجواب. لأنه كان يعرف
الحقيقة: لقد خان الحلم حين اختار أن يحمي عرشه بالسياط، بدل أن يصونه بثقة شعبه.
وفي نهاية المطاف، مات ناصر وحيدًا،
لا أحد بكى عليه، ولا هتف أحد باسمه. كان مجرد حاكم آخر في كتاب التاريخ... عادلٌ
في بدايته، خائنٌ في نهايته.
أما الشعب، فقد حفظ العبارة التي قيلت
سرًّا في الأزقة: "العدل لا يُقاس بالبداية، بل بما تبقى في قلوب الناس بعد
النهاية".
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك