العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تصيغ تقرير حقوقي حول وضعية الشباب بالمغرب

العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تصيغ تقرير حقوقي حول وضعية الشباب بالمغرب
تقارير / الأربعاء 20 أغسطس 2025 - 08:00 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد العرش المجيد

عن الرئيس: عادل تشيكيطو

بمناسبة اليوم الدولي للشباب – 12 غشت

يحتل الشباب مكانة محورية في صلب أي رؤية تنموية شاملة ومستدامة، إذ يمثلون القوة الدافعة والمحرك الأساس للتقدم والازدهار في أي مجتمع، كما في المملكة المغربية، حيث يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة نسبة 34.4% من إجمالي السكان، وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط لسنة 2024، وهو ما يبرز أهمية قصوى لضمان إشراكهم الفاعل في كافة مناحي الحياة العامة، خاصة وأن هذه التركيبة الديمغرافية تمنح المغرب فرصة ديمغرافية ذهبية، تتطلب تحويل الالتزامات الدستورية والدولية إلى واقع ملموس يخرج الشباب من خانة "المستفيدين المحتملين" إلى خانة "صناع القرار"، ويضمن لهم حقوقهم كاملة في المشاركة والتنمية والحياة الكريمة.

يأتي هذا التقرير، المعد باسم العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، بمناسبة 12غشت 2025الذي يصادف اليوم الدولي للشباب، المحتفى به هذه السنة من قبل الأمم المتحدة تحت شعار "العمل الشبابي المحلي من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وما بعد 2030".

ويهدف هذا التقرير، إلى تقديم تحليل شامل ومفصل للوضع الراهن للشباب في المغرب من منظور حقوقي، معززًا بأحدث الأرقام والإحصائيات المتاحة من مصادر رسمية وموثوقة.

كما يسعى التقرير إلى تسليط الضوء على التحديات التي يواجهها الشباب في مجالات حيوية مثل المشاركة في تدبير الشأن العام، الولوج إلى فرص المقاولة والاستثمار، توفير مساحات للأنشطة الثقافية والرياضية، ودعم مبادراتهم الابتكارية والاجتماعية، بالإضافة إلى تنويع مؤسسات التكوين والتدريب المهني. 

كما سيقدم التقرير مجموعة من التوصيات العملية والقابلة للقياس، بهدف المساهمة في صياغة سياسات عمومية أكثر فعالية واستجابة لاحتياجات وتطلعات الشباب المغربي، وضمان تمثيلهم الأكبر في تدبير الشأن العام، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في بناء مستقبل مزدهر لبلدنا.

الفصل الأول: الشباب المغربي بين الطموحات والواقع

1.1 التركيبة الديمغرافية ودلالاتها

بلغت نسبة الشباب في المغرب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة، 34.4% من إجمالي السكان، وذلك حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط لعام 2024، وهي كنسبة، تعد عند الخبراء والمراقبين مرحلة مهمة تضع المغرب أمام ما يسمى بـ "الفرصة الديمغرافية الذهبية"، إذ تعتبر فترة زمنية تتميز بارتفاع نسبة السكان في سن العمل وانخفاض نسبة الإعالة، مما يوفر إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.

ومع ذلك، فإن استغلال هذه الفرصة يتوقف على مدى قدرة السياسات العمومية على تحويل هذه الطاقات الشبابية إلى قوة منتجة ومساهمة فعليًا في عجلة التنمية، فإذا لم يتم توفير الفرص الكافية للتعليم، والتدريب، والتوظيف، والمشاركة، فإن هذه الفرصة قد تتحول إلى عبء ديمغرافي، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلات البطالة، والإقصاء الاجتماعي، والشعور بالإحباط بين صفوف الشباب.

إن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تحويل هذا الكم الهائل من الشباب إلى رأس مال بشري فعال، قادر على الابتكار، والمبادرة، والمساهمة في بناء مستقبل أفضل للبلاد.

1.2 الإقصاء الاجتماعي وضعف المشاركة

يواجه الشباب المغربي تحديات كبيرة تتعلق بالإقصاء الاجتماعي وضعف المشاركة في مختلف المجالات، على الرغم من الأهمية الديمغرافية التي تعزز تواجدهم، مما يعيق استغلال إمكاناتهم الكاملة، وهو ما يبدو جليا في صورة تحديات على مستوى سوق الشغل، والمشاركة السياسية، والنسيج الجمعوي.

البطالة: تعد البطالة من أبرز التحديات التي تواجه الشباب المغربي، وتؤثر بشكل مباشر على استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي.

ووفقًا للمندوبية السامية للتخطيط، فقد بلغ معدل البطالة الإجمالي في المغرب 12.8% في الربع الثاني من سنة 2025، وتزداد هذه النسبة بشكل ملحوظ بين فئة الشباب، حيث تراوح معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة بين 35.8% و36.7% خلال الفترة الممتدة من فبراير إلى غشت 2025.

أما بالنسبة لحاملي الشهادات العليا، فإن الوضع أكثر تعقيدًا، حيث بلغت نسبة البطالة بينهم 19.6% في فبراير 2025، ووصلت إلى حوالي 40% في يوليوز من هذه السنة في بعض المناطق حسب المندوبية. 

إن التأمل في هذه الأرقام يعكس بكل تأكيد الفجوة الكبيرة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق الشغل، ويؤكد على ضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية والتعليمية لضمان توافق أكبر بين العرض والطلب على الكفاءات، علاوة على ذلك، يمثل القطاع غير المهيكل ملاذًا لعدد كبير من الشباب، حيث تشير بيانات البنك الدولي لعام 2024 إلى أن 67% من الشباب العاملين يتواجدون في هذا القطاع، الذي رغم أنه يوفر فرص عمل، إلا أنه غالبًا ما يفتقر إلى الحماية الاجتماعية، والظروف اللائقة للعمل، مما يزيد من هشاشة وضع الشباب العاملين فيه. 

المشاركة السياسية: مع تكرر الدعوات لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، إلا أن تمثيلهم في المؤسسات المنتخبة لا يزال ضعيفًا، وهو ما يترجمه الواقع وتؤكده الأرقام، ففي الانتخابات الجماعية لسنة 2021، لوحظ أن هناك عزوفًا ملحوظًا للشباب عن العملية الانتخابية، مما يطرح تساؤلات حول مدى ثقتهم في المؤسسات السياسية وقدرتها على الاستجابة لتطلعاتهم، وهو ما يشير إليه تحليل تركيبة القوائم الانتخابية الذي ورد في تقرير  لمركز تيزي لسنة 2024 والذي تضمن عدة ملاحظات، أولها أن نسبة الشباب المسجلين بلغت 30% من إجمالي الهيأة الناخبة البالغ 13.4 مليون ناخب سنة 2011، ويكمن تفسير ذلك في تسلسل الأحداث في ذلك العام، أي الربيع العربي وامتداده المغربي، حركة 20 فبراير. ثم سجلت هذه النسبة انكماشًا (25% خلال 2016 ثم 27% خلال 2021)، وتفاقمت إلى 20% وفقًا للأرقام المتاحة في مارس 2024، مما يوضح أن هناك قبة حديدية تحد بشكل دائم - وبنيوي بلا شك - من اندماج الشباب في الحياة الانتخابية وبالتالي الديمقراطية.

وعطفا على ما سبق، ولفهم أكبر لمسألة عزوف الشباب عن العمل السياسي من المهم جدا أن نؤكد على أن حضور الشباب على مستوى المؤسسات المنتخبة، يظل ضعيفا ويشكل تراجعا بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة، وهو أمر طبيعي ونتيجة حتمية لما عرفته الساحة السياسية من تطاحنات وحسابات ضيقة جعلت من الشباب حطبا لها وحولتهم من ثروة ديمقراطية يمكن استثمارها في ترسيخ المبادئ الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، إلى حطب نار الخلاف والشقاق وتصفية الحسابات والاستغلال خلال الحملات الانتخابية. 

ولعل ما يكرس واقع النتائج المشار إليها أعلاه، هو حضور الشباب على مستوى قيادات الأحزاب السياسية، إذ يظل حضورهم ضعيفا جدا مما يؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة لتعزيز تمثيل الشباب في الهيئات المنتخبة والقيادات الحزبية، بما يضمن أن تكون أصواتهم مسموعة وأن تكون قضاياهم حاضرة في صلب النقاشات وصناعة القرار، قس على ذلك فإن اهتمام الأحزاب السياسية بمنظماتها الشبابية عرف تراجعا مهولا، خلال العشر سنوات الأخيرة، فلم نعد نسمع لها أي دور أو رأي في الساحة السياسية، عدا بعض المبادرات التي لا تتجاوز دور الكورال الذي يجتر ما تردده قيادات الأحزاب، وهو ما أفرغها من قوتها الجماهيرية وأبعدها عن المشهد السياسي وحولها من منظمات شبابية مؤثرة إلى كيانات تؤثث، بشكل سلبي، البنية التنظيمية للأحزاب السياسية.

1.3 إطلاق المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي أضحى ضروريا

أصبح إطلاق المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ضرورة دستورية وملحة في سياق التحديات الراهنة التي تواجه فئة الشباب والنسيج الجمعوي بالمغرب. 

وقد نص الفصلان 33 و170 من دستور 2011 على إحداث هذه الهيأة الاستشارية، مما يؤكد على الأهمية التي يوليها الدستور لمشاركة الشباب في الحياة العامة وحماية حقوقهم، بالإضافة إلى النهوض بالعمل الجمعوي، إذ تأتي هذه الضرورة في ظل تزايد أعداد الشباب وتطلعاتهم للمشاركة الفاعلة في التنمية، وفي مواجهة قضايا مثل البطالة، والتهميش، والحاجة إلى تأطير فعال للطاقات الشبابية، هذا بالإضافة إلى كون العمل الجمعوي، رغم حيويته، يواجه تحديات تتعلق بالتنظيم، والتمويل، والحاجة إلى تعزيز دوره كقوة اقتراحية ومحرك للتغيير الاجتماعي. 

ومن المفترض أن يلعب المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، دورا محوريا، في كونه هيأة استشارية مستقلة، مكلفة بدراسة وتتبع القضايا المتعلقة بالشباب والعمل الجمعوي، وتقديم الآراء والمقترحات للحكومة والبرلمان في هذا الشأن، وتعزيز مكانة وتمثيلية الشباب والجمعيات في النسيج المجتمعي، وتكييف أنظمة التعليم والتأهيل لتلبية متطلبات سوق الشغل، وإعداد الشباب لمواجهة المستقبل.

كما يراهن كل من ينتظر إخراج هذا المجلس إلى الوجود، على تفعيل أدوات مشاركة الشباب في الحياة العامة ودعم تعميم استخدامها، وتطوير البيئة القانونية والتنظيمية للجمعيات، مما يمكنها من أداء أدوارها التنموية والاجتماعية بشكل فعال.

إن تفعيل هذا المجلس، الذي طال انتظاره، سيشكل خطوة مهمة نحو بناء جسور الثقة بين الشباب والمؤسسات، وتحقيق إدماج حقيقي للشباب في مسار التنمية الشاملة والمستدامة للمغرب. 

توصيات: 

* تفعيل الفرصة الديمغرافية: يجب على السياسات العمومية استغلال الفرصة الديمغرافية الذهبية للشباب بتحويل طاقاتهم إلى قوة منتجة ومساهمة فعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير الفرص الكافية للتعليم والتدريب والتوظيف والمشاركة.

* ضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية والتعليمية لضمان توافق أكبر بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق الشغل، وتقليص الفجوة بين العرض والطلب على الكفاءات.

* العمل على توفير فرص عمل كافية ولائقة للشباب، خاصة حاملي الشهادات العليا، لمعالجة مشكلة البطالة التي تؤثر على استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي.

* يجب العمل على توفير الحماية الاجتماعية والظروف اللائقة للشغل للشباب العاملين في القطاع غير المهيكل، لتقليل هشاشة وضعهم.

* اتخاذ إجراءات ملموسة لتعزيز تمثيل الشباب في المؤسسات المنتخبة والقيادات الحزبية، لضمان سماع أصواتهم وحضور قضاياهم في صناعة القرار.

* يجب على الأحزاب السياسية إعادة الاهتمام بمنظماتها الشبابية وتفعيل دورها كقوة جماهيرية مؤثرة في المشهد السياسي، بدلاً من أن تكون مجرد كيانات شكلية.

* الإسراع في إطلاق المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وتعزيزه بالآليات القانونية واللوجستيكية لدراسة وتتبع قضايا الشباب والعمل الجمعوي، وتقديم الآراء والمقترحات للحكومة والبرلمان.

* تعزيز دور العمل الجمعوي كقوة اقتراحية ومحرك للتغيير الاجتماعي، وتطوير البيئة القانونية والتنظيمية للجمعيات لتمكينها من أداء أدوارها التنموية والاجتماعية بفعالية.

* تفعيل أدوات مشاركة الشباب في الحياة العامة ودعم تعميم استخدامها، لبناء جسور الثقة بين الشباب والمؤسسات.

* تحقيق إدماج حقيقي للشباب في مسار التنمية الشاملة والمستدامة للمغرب، من خلال توفير بيئة تمكنهم من الابتكار والمبادرة والمساهمة في بناء المستقبل.

الفصل الثاني: قضايا أساسية في مسار التنمية الشبابية

2.1 التعليم والتكوين

يعتبر كل من التعليم والتكوين ركيزتين أساسيتين لتمكين الشباب وتأهيلهم لسوق الشغل والمشاركة الفاعلة في المجتمع، ومع ذلك، يواجه النظام التعليمي والتكويني في المغرب تحديات كبيرة تؤثر على جودة التعليم وفرص الشباب في الحصول على المهارات اللازمة، أو صقل مهاراتهم البيضاء.

ومن أبرز التحديات التي باتت تؤرق بال المتتبع للشأن التعليمي في بلادنا، ظاهرة الهدر المدرسي والاكتظاظ في الأقسام، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتطوير التكوين المهني ليواكب متطلبات سوق الشغل المتغيرة.

الهدر المدرسي: على الرغم من الجهود المبذولة للحد من ظاهرة الهدر المدرسي، إلا أنها لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا، خاصة في المناطق القروية، فبينما تشير أرقام وزارة التربية الوطنية إلى أن المعدل الوطني للهدر المدرسي قد بلغ 8.5% في فبراير 2025، وتراجع إلى 4.4% في مارس من نفس السنة، إلا أن هذا التراجع لا يعكس بالضرورة الوضع في جميع المناطق والفئات العمرية.

ففي العالم القروي، لا يزال معدل الهدر المدرسي لدى الفئة العمرية 15-17 سنة مرتفعًا، حيث بلغ 14.2% في عام 2024، وفقًا لوزارة التربية الوطنية، مما يؤكد على أن هناك فئة كبيرة من الشباب اليافع، تغادر مقاعد الدراسة مبكرًا، مما يحرمهم من فرص التعليم والتكوين ويجعلهم أكثر عرضة للبطالة والإقصاء الاجتماعي والارتماء في أحضان الجريمة.

إن أسباب الهدر المدرسي متعددة ومعقدة، وتشمل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى ضعف جودة التعليم في بعض المناطق، وعدم ملاءمة المناهج الدراسية لاحتياجات سوق الشغل.

الاكتظاظ في الأقسام: يشكل الاكتظاظ في الأقسام تحديًا آخر يؤثر على جودة التعليم والتحصيل الدراسي للطلاب، فبينما تشير المعطيات إلى تراجع عام في نسبة الاكتظاظ، إلا أنها لا تزال مرتفعة في بعض المستويات التعليمية. ففي السلك الثانوي الإعدادي والتأهيلي، بلغت نسبة الاكتظاظ 12.9% في غشت 2025، بينما وصلت في السلك الثانوي الإعدادي وحده إلى 15.5% في نفس الفترة، كما أن هناك حوالي 15,000 قاعة دراسية يتجاوز عدد التلاميذ فيها 41 تلميذًا.

ويؤثر الاكتظاظ سلبًا على قدرة الأساتذة على تقديم تعليم فعال، ويحد من فرص التفاعل بين الطلاب والمعلمين، مما ينعكس سلبًا على جودة التعلم والتحصيل الدراسي. 

التكوين المهني: يُنظر إلى التكوين المهني كرافعة أساسية لتقليص الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق الشغل، ومع ذلك، فإن نسبة التغطية بالتكوين المهني لا تزال بحاجة إلى تعزيز.

إن تطوير التكوين المهني يتطلب تنويع التخصصات، وتحديث المناهج، وتوفير التجهيزات اللازمة، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة بين مؤسسات التكوين والقطاع الخاص، لضمان أن يكون التكوين ملائمًا لاحتياجات سوق الشغل المتغيرة، ويساهم في تزويد الشباب بالمهارات المطلوبة التي تزيد من فرصهم في الحصول على عمل لائق.

التعليم العالي: يواجه الشباب المغربي في التعليم العالي إشكالية معقدة تتجاوز ميكانيكية الحصول على شهادة جامعية، حيث تتسم المنظومة الجامعية بعدة تحديات هيكلية، من بينها الاكتظاظ في الجامعات، خاصة في التخصصات ذات الإقبال المفتوح، مما يؤثر سلباً على جودة التعليم ويحد من التفاعل بين الطلاب والأساتذة.

كما أن البنية التحتية في العديد من المؤسسات الجامعية لا تزال بحاجة إلى تطوير وتحديث لتواكب المتطلبات الحديثة للتعليم والبحث العلمي، ينضاف إلى ذلك، ضعف التمويل المخصص للبحث العلمي، مما يعيق الابتكار ويحد من قدرة الجامعات على إنتاج المعرفة والمساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وتتجسد المشاكل التي يتخبط فيها الشباب المغربي في التعليم العالي في عدة جوانب، أبرزها عدم ملاءمة المناهج التعليمية مع متطلبات سوق الشغل المتغيرة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الخريجين، فالعديد من التخصصات لا تزود الطلاب بالمهارات والكفاءات اللازمة التي يبحث عنها أرباب العمل، مما يخلق فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات الاقتصاد.

كما أن هناك تحديات تتعلق بالعدالة المجالية في الولوج إلى التعليم العالي، حيث تتركز الفرص الجيدة في المدن الكبرى، مما يحرم شباب المناطق النائية من فرص متكافئة، يضاف إلى ذلك، ارتفاع نسب الهدر الجامعي، الذي يعكس صعوبات يواجهها الطلاب في التكيف مع البيئة الجامعية أو في متابعة دراستهم بنجاح.

ولمواجهة هذه الإشكاليات، وجب على الحكومة أن تخصص جهوداً شاملة ومتكاملة وتعبئ لها جميع الأطراف المعنية، عبر ضمان إصلاح عميق للمناهج التعليمية وجعلها أكثر مرونة وتكيفاً مع سوق الشغل، مع التركيز على تطوير المهارات الناعمة أو البيضاء والقدرة على الابتكار وريادة الأعمال.

كما ينبغي زيادة الاستثمار في البنية التحتية الجامعية وتجهيزها بأحدث التقنيات، وتوفير التمويل الكافي للبحث العلمي لتشجيع الابتكار وإنتاج المعرفة، علاوة على ذلك، من الضروري تعزيز الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص لضمان تدريب الطلاب على المهارات المطلوبة وتوفير فرص عمل للخريجين، بالإضافة إلى تفعيل دور التوجيه المهني والأكاديمي لمساعدة الشباب على اختيار التخصصات المناسبة لميولهم واحتياجات السوق.

إن إعادة بناء جسور الثقة بين الطالب المغربي وجامعته يمثل تحديًا محوريًا يتطلب مقاربة شاملة تبدأ بمكافحة ظواهر المحسوبية والزبونية التي أضحت تشكل وصمة عار في بعض الأحيان، وتؤثر سلبًا على مبدإ تكافؤ الفرص والعدالة الأكاديمية.

ومما لا شك فيه، أن معالجة القضايا المشار إليها أعلاه بشفافية وحزم، وتقديم المتورطين فيها للعدالة، من شأنه أن يعيد الاعتبار للمؤسسة الجامعية كفضاء للعلم والمعرفة لا للتلاعب والمصالح الضيقة.

علاوة على ذلك، يجب إعادة الاعتبار للتنظيمات الطلابية وجعلها شريكًا فاعلاً وأساسيًا في صناعة جامعة رائدة، من خلال إشراكها في اتخاذ القرارات، والاستماع إلى صوتها، وتمكينها من أداء دورها التمثيلي في الدفاع عن حقوق الطلاب وتطلعاتهم، مما يعزز شعور الطالب بالانتماء والمشاركة، ويحول الجامعة إلى بيئة حاضنة للإبداع والتميز.

2.2 الشغل والعمل اللائق 

البطالة وسوق الشغل: إن توفير فرص الشغل اللائق للشباب من أهم التحديات التي تواجه المغرب، فالبطالة، خاصة بين الشباب، لا تزال مرتفعة، مما يؤثر سلبًا على استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي، خاصة مع اتساع الفجوة بين العرض والطلب في سوق الشغل خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى ضعف التوافق بين مخرجات التعليم واحتياجات القطاع الاقتصادي.

وحسب الأرقام الرسمية فإن عدد مناصب الشغل المطلوبة سنويًا في المغرب يبلغ حوالي 240,000 منصب، وذلك وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط في عام 2024، في المقابل، يكون جاهزا لدخول سوق العمل حوالي 350,000 شاب وشابة سنويًا، مما يخلق ضغطًا كبيرًا على فرص التشغيل المتاحة ويفاقم من مشكلة البطالة ويخلق فجوة بين العرض والطلب على مناصب الشغل تتطلب تدخلات هيكلية وسياسات عمومية فعالة لتعزيز خلق فرص العمل، وتشجيع الاستثمار، وتنمية القطاعات الواعدة التي تستوعب أعدادًا أكبر من الشباب.

إن تحدي توفير العمل اللائق لا يقتصر على مجرد خلق مناصب شغل، بل يتعداه إلى ضمان ظروف عمل كريمة، تحترم حقوق العمال، وتوفر الحماية الاجتماعية، وتضمن الأجور العادلة، خاصة وأن العمل في القطاع غير المهيكل، الذي يستوعب نسبة كبيرة من الشباب، غالبًا ما يفتقر إلى هذه الضمانات، مما يجعل الشباب العاملين فيه عرضة للاستغلال والهشاشة، لذا، فإن أي استراتيجية وطنية للتشغيل يجب أن تركز على إدماج الشباب في القطاع المهيكل، وتوفير الحوافز للمقاولات لخلق فرص عمل مستقرة ولائقة.

برامج دعم مقاولات الشباب: تشكل برامج دعم مقاولات الشباب في المغرب إحدى الآليات التي راهنت عليها الدولة لتحفيز المبادرة الفردية وتشجيع روح المقاولة، خاصة لدى الخريجين والعاطلين عن العمل. 

فقد أطلقت الدولة مجموعة من المبادرات، مثل برامج التمويل الميسر، وحاضنات المشاريع، والدورات التكوينية في مجال ريادة الأعمال، بهدف تمكين الشباب من إنشاء مشاريعهم الخاصة والمساهمة في خلق فرص الشغل، وهي مبادرات تعد في جوهرها وأهدافها برامج مهمة تستحق التنويه، لكن على مستوى الأجرأة تم إفراغها من الأهداف المرجوة منها، فرغم الزخم الإعلامي والمؤسساتي الذي رافق هذه البرامج، إلا أن نتائجها الميدانية جاءت في كثير من الأحيان أقل من التوقعات.

ومن ضمن أبرز مظاهر إخفاق هذه البرامج في غياب مواكبة حقيقية للمستفيدين بعد الحصول على الدعم المالي، إذ يقتصر التدخل غالبًا على مرحلة التمويل دون توفير الدعم التقني والاستشاري اللازم لضمان استمرارية المشاريع، كما أن ضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين من مؤسسات تمويلية وإدارات محلية وهيئات دعم، يؤدي إلى تعقيد المساطر وإرباك المستفيدين، وكذا محدودية التكوينات المقدمة، التي غالبًا ما تكون نظرية ولا تراعي خصوصية القطاعات أو متطلبات السوق الفعلية.

وعلى مستوى الأثر، فإن فشل جزء كبير من هذه البرامج في تحقيق أهدافها المنشودة، يظهر جليا في نسب الإغلاق المهمة لعدد من المقاولات المحدثة، خلال السنوات الثلاث الأولى، إما بسبب سوء التخطيط، أو غياب دراسة جدوى حقيقية، أو ضعف القدرة على المنافسة. 

كما أن الاستفادة من هذه المبادرات تظل مركزة في المدن الكبرى، ما يقلص من فرص شباب المناطق القروية والنائية.

وبذلك، فإن قصور هذه البرامج عن إحداث تحول اقتصادي ملموس لدى الشباب المقاول، يعكس حاجة ملحة إلى إعادة تصميمها بشكل شامل، مع اعتماد مقاربة تدمج التمويل بالمواكبة الفعلية، والتكوين العملي، وضمان عدالة مجالية في الاستفادة.

2.3 الصحة

تُعد الصحة، بشقيها البدني والنفسي، حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وهي ضرورية لتمكين الشباب من المساهمة بفاعلية في التنمية المجتمعية، ومع ذلك، يواجه الشباب المغربي تحديات كبيرة في مجال الصحة، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية ومكافحة الإدمان، مما يستدعي تدخلات عاجلة وشاملة.

الصحة النفسية: على الرغم من تزايد الوعي بأهمية الصحة النفسية، إلا أن البنية التحتية والخدمات المخصصة لها لا تزال غير كافية، حيث كشف وزير الصحة في معرض جوابه على سؤال شفوي بالبرلمان خلال أبريل المنصرم أن المغرب يتوفر على 319 طبيبا متخصصا في الطب النفسي فقط في القطاع العام، هو عدد بعيد عن الاستجابة للمعايير العالمية، إذ توصي منظمة الصحة العالمية بتوفير 15.3 طبيب نفسي لكل 10,000 نسمة كحد أدنى، لذللك فإن هذا النقص الحاد في المرافق المتخصصة يعيق حصول الشباب على الرعاية النفسية اللازمة، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية لديهم. 

كما أن معدل الانتحار بين الشباب في تزايد، ورغم تضارب الأرقام والنسب التي تصدرها منظمات دولية ووطنية، ورغم تأكيد وزارة الصحة في مناسبات متعددة على أنها لا تتوافر على أرقام مضبوطة في هذا الشأن خاصة في أوساط الشباب، إلا أن محاولة قراءتنا للأرقام المختلفة المصادر يؤكد على أنها أرقام مقلقة تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز خدمات الصحة النفسية، وتوفير الدعم النفسي للشباب، والعمل على إزالة الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية. 

مكافحة الإدمان: صارت المخدرات، في السنوات الأخيرة، خاصة، من أخطر الآفات التي تستهدف طاقات الشباب وتعيق مستقبلهم، فوفقًا للمندوبية السامية للتخطيط، يقر 9.4% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة باستهلاك "الحشيش" مرة واحدة على الأقل في حياتهم، وذلك سنة 2023، وتزداد خطورة الوضع مع ارتفاع حالات الاستشفاء المرتبطة بالمخدرات الصلبة بنسبة 47% خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2023، وهو مؤشر نسبته تقارير إعلامية إلى مرصد المخدرات التابع لوزارة الصحة سنة 2023، وأكدته أرقام تقارير دولية من ضمنها تقرير الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لسنة 2025 ، الذي كشف عن تحولات مقلقة في أنماط تعاطي المخدرات في المغرب، خاصة وسط الفئات العمرية الشابة، حيث أظهرت معطيات سنة 2023 ارتفاعا لافتا في استهلاك بعض المواد المخدرة بين القاصرين (0-17 سنة)، مقابل استقرار نسبي في صفوف البالغين.

ووفق تصور الخبراء الذين أعدوا التقرير الأممي، فإن استهلاك القنب الهندي لم يشهد تغيرا كبيرا على المستوى العام بالمملكة، إلا أن الفئة القاصرة سجلت انخفاضا طفيفا في استخدام هذه المادة، في حين ظل الاستهلاك مستقرا لدى فئتي 18-24 و25 سنة فما فوق. في المقابل، سُجّل ارتفاع طفيف في استهلاك الكوكايين وسط القاصرين، وهو ما يشير إلى بداية انتشار هذه المادة الخطرة بين الفئات اليافعة، مع بقاء الوضع مستقرا لدى الفئات الأكبر سنا.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك