أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
كشفت الأيام الأخيرة عن تحركات غير اعتيادية لشحنات سلاح إيرانية اتخذت من البحر الأحمر مسرحًا لها، مستعملة هذه المرة طائرات شحن عسكرية بيلاروسية تابعة لشركة Rada Airlines. وتُظهر سجلات التتبع الجوي أن إحدى الطائرات كانت في مينسك يوم 9 نوفمبر قبل أن تنتقل إلى طهران، ومنها إلى وجهة مجهولة لم تُسجَّل في أنظمة الطيران، في رحلة اتسمت بالسرية المطلقة.
بيانات FlightRadar24 أظهرت مسارًا غير مستقيم للطائرة، حيث تقدمت نحو السواحل اليمنية ثم انحرفت باتجاه إفريقيا، لتتجه صوب إريتيريا وتهبط في مطار مصوع الذي يشهد نشاطًا عسكريًا متزايدًا. صور الأقمار الصناعية أكدت وصول الطائرة وظهورها إلى جانب طائرة شحن عسكرية أخرى، قبل أن تختفي تمامًا من أنظمة التتبع.
مصوع… بوابة لوجستية لشحنات السلاح الإيرانية
ليست هذه المرة الأولى التي تعتمد فيها إيران على محور مصوع. ففي 27 أكتوبر، وصلت طائرة شحن تابعة لشركة «فارس قشم» الإيرانية محملة بمعدات عسكرية إلى المنطقة نفسها. وتشير المعطيات إلى أن مطار مصوع تحوّل إلى نقطة مركزية لإعادة توجيه شحنات السلاح سواء نحو ميليشيات الحوثي في اليمن أو إلى الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع.
هذه التحركات تعكس شبكة نفوذ ممتدة من إريتيريا إلى السودان وأوغندا، وهي مناطق ترتبط بقوة بالدورين الروسي والبيلاروسي، ما يعزز فرضية وجود تنسيق ثلاثي يهدف إلى تأمين خطوط إمداد واستراتيجية نفوذ دائمة.
غطاء بيلاروسي يرافقه تعاون عسكري متصاعد
تعزز استخدام الطائرات البيلاروسية بنشاط رسمي واضح، حيث شهد مطلع نوفمبر زيارات متبادلة بين قادة سلاح الجو الإيراني ونظرائهم في بيلاروسيا. هذا التنسيق، الذي يأتي في ذروة التوتر الإقليمي، يشير إلى أن طهران تسعى لإخفاء بصمتها في عمليات نقل السلاح عبر واجهات حليفة توفر لها درجة أعلى من الإنكار السياسي.
إسرائيل تتحرك في إفريقيا لمواجهة التمدد الإيراني
في المقابل، دخلت إسرائيل على خط مواجهة النفوذ الإيراني داخل إفريقيا. فقد قام الرئيس الإسرائيلي بجولة في زامبيا والكونغو انتهت بالاتفاق على إعادة فتح السفارة الإسرائيلية في لوساكا. كما ظهرت أسلحة إسرائيلية لدى قوات الدعم السريع في السودان، بما فيها رشاش IWI المتطور، ما يعكس سباق تسليح موازياً يهدف إلى موازنة الحضور الإيراني في المنطقة.
هذا التنافس يعيد رسم خريطة التحالفات داخل القارة، ويجعل القرن الإفريقي والسودان مسرحًا لمواجهة غير مباشرة بين تل أبيب وطهران.
القوقاز… جبهة أخرى للمواجهة
تتمدد هذه الحرب الباردة أيضًا إلى القوقاز، حيث تُسجّل رحلات شحن عسكرية يومية من إسرائيل إلى أذربيجان. وتعتبر طهران هذا التدفق العسكري تهديدًا مباشرًا، خاصة مع تزايد الخطاب الإسرائيلي حول “ضرورة استغلال الفرصة لإسقاط النظام الإيراني قبل نهاية ولاية الرئيس ترامب”، وهو ما يرفع منسوب القلق داخل دوائر صنع القرار الإيراني.
رسائل إيرانية في مضيق هرمز
وفي الخليج، واصلت إيران إرسال رسائل تحذيرية للخصوم. فقد ظهر قادة الحرس الثوري خلال الأيام الماضية في جزر مضيق هرمز، في مشهد يؤكد جاهزية طهران لسيناريو إغلاق المضيق إذا تصاعدت الضغوط الدولية. رصدت طائرة أمريكية MQ-4C Triton هذه التحركات بشكل مباشر، ما يعكس درجة التوتر واليقظة في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.
أزمات داخلية ومحاولات استثمار الموقع الجيوسياسي
ورغم الأزمة البيئية الخانقة التي تواجهها إيران بسبب الجفاف، تتوقع السلطات موجة أمطار قد تخفف من حدة الوضع. بالتوازي مع ذلك، تحاول طهران استثمار حضورها داخل مجموعة بريكس لتعزيز موقعها الاقتصادي والجيوسياسي، مستفيدة من الدعم الروسي والصيني الرافض لأي تغيير جذري قد يهدد مشاريع الربط البري والبحري الكبرى في المنطقة.
دبلوماسية هادئة مع واشنطن وضمانات نووية
وفي سياق آخر، تواصل إيران اتصالاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة لاحتواء التوتر. كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مفتشيها زاروا مرافق نووية إيرانية لم تتعرض للقصف الإسرائيلي مؤخرًا، وسط تسريبات عن سعي طهران إلى صفقة توقف الهجمات الإسرائيلية مقابل ضبط أنشطتها، في وقت تنشغل فيه واشنطن بجبهات ممتدة من الصين إلى فنزويلا.
بهذه التحركات المتزامنة، يبدو أن إيران تدير شبكة نفوذ معقدة تتداخل فيها الساحات: البحر الأحمر، القرن الإفريقي، القوقاز، والخليج. وفي كل جبهة، تظهر طهران كلاعب يسعى لتعزيز أوراقه قبل أي مواجهة كبرى قد تفرضها التحولات الإقليمية والدولية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك