أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
رغم أن المغرب يقدّم نفسه رسمياً باعتباره “بلد الجالية الكبرى” و”المدافع عن مصالح المغاربة عبر العالم”، تكشف الوقائع أن ملايين المغاربة بالخارج يعيشون اليوم واحدة من أسوأ مراحلهم التاريخية: هوية متآكلة، حماية ضعيفة، دبلوماسية عاجزة، وقوانين عمرها نصف قرن لا تستوعب التحولات الجديدة، بينما تتعامل الدولة مع الجالية بمنطق “الخزان المالي” وليس كمواطنين كاملي الحقوق.
في هذا التحقيق، نُسائل جذور الأزمة، ونكشف التناقض الحاد بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، بالاعتماد على تقارير دولية (Eurostat، OECD، مجلس أوروبا، IOM) وشهادات مهاجرين وخبراء.
أولاً: اقتصاد يعتمد على الجالية ودولة تتخلى عنها
8 مليون مغربي فالعالم… والأرقام كارثية
وفق OECD لسنة 2024:
المغرب ضمن أكبر 10 دول مصدّرة للهجرة في العالم.
أكثر من 8 مليون مغربي يعيشون خارج البلاد.
الجالية تساهم بأكثر من 110 مليار درهم سنوياً من تحويلات العملة الصعبة.
رغم ذلك، لا يحصل هؤلاء على:
منظومة قانونية حديثة،
تمثيلية سياسية،
حماية قنصلية فعّالة،
رؤية وطنية لربطهم بالبلد الأم.
الدولة ترى الجالية كـ"صراف آلي"
كما أن تقارير البنك الدولي تشير إلى أن تحويلات المغاربة بالخارج تمثل 9% من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة لا توجد في دول متوسطة الدخل.
لكن في المقابل:
لا توجد سياسة اندماج وطنية للجالية، ولا منظومة للدفاع القنصلي، ولا محاكم مختصة بقضايا المهاجرين، ولا دبلوماسية كتعطي الأولوية لحقوقهم.
ثانياً: دبلوماسية صامتة ودول تستغل هشاشة المغربي
تزايد خطير في حالات العنصرية
حسب European Union Agency for Fundamental Rights — FRA 2024:
المغاربة من أكثر الجنسيات تعرضاً للعنصرية في أوروبا.
ترتفع نسبة التمييز ففرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا بشكل حاد.
ورغم ذلك:
غياب شبه تام لأي تدخل رسمي مغربي.
لا وجود لآليات لتوثيق الانتهاكات.
ولا مرافعة أمام برلمانات أوروبا.
قنصليات غائبة ومهاجرون بلا دفاع
تشير شهادات جمعيات المهاجرين إلى:
طول انتظار يصل إلى 4 أشهر للحصول على موعد بسيط.
سوء معاملة و”بيروقراطية مهينة”.
رفض مساعدة المغاربة في ملفات الطرد أو الإقامة.
ثالثاً: انهيار الهوية بين “التجريد الثقافي” وضياع الأجيال
جيل جديد بلا لغة ولا ذاكرة
تقارير IOM 2023–2024 تؤكد أن:
أكثر من 65% من أبناء الجيل الثاني والثالث للمغاربة في أوروبا لا يتقنون العربية ولا الأمازيغية.
40% يشعرون بانقطاع كامل عن الثقافة المغربية.
هذا “الانهيار الهادئ للهوية” يتم في غياب:
مدارس مغربية بالخارج،
برامج ثقافية رسمية،
دعم للأسرة المغربية المهاجرة.
صدمة الهوية وصراع الانتماء
الأطفال المغاربة في أوروبا يعيشون وضعية مزدوجة:
مغرب يستغل عرقلة اندماجهم كذريعة للحديث عن "الهجرة النافعة".ودول استقبال ترى فيهم مهاجرين مؤقتين وليسوا مواطنين كاملي الحقوق.
والنتيجة: هوية مشوّهة، وانتماء مجروح.
رابعاً: الاستغلال المزدوج بين دولة لا تحمي ومجتمعات تستغل
سوق شغل هشّ للمغاربة
وفق Eurostat 2024:
المغاربة يمثلون أكبر نسبة من العمال ذوي العقود المؤقتة في إسبانيا وإيطاليا.
60% من المغاربة بإيطاليا يعملون في وظائف “اليد العاملة الرخيصة”.
استغلال النساء المغربيات
تقرير مجلس أوروبا 2024 يشير إلى:
هشاشة خطيرة للعاملات المغربيات في الفلاحة الإسبانية.
حالات تحرش واستغلال جنسي.
غياب أي تدخل رسمي من الرباط لحمايتهن.
خامساً: الجالية تفقد الثقة والدولة تفقد السيطرة
تراجع خطير في ارتباط الجالية بالمغرب
دراسة OECD-MIGRA 2024 كشفت:
70% من المغاربة بالخارج لا يثقون في المؤسسات الوطنية.
55% لا يريدون العودة النهائية.
30% يفكرون في التخلي عن الجنسية المغربية مستقبلاً.
سياسياً: الدولة ترفض منحهم حق التصويت
رغم توصيات دولية، يبقى المغرب من الدول القليلة التي:
لا تمنح حق الانتخاب الخارجي للجالية، ولا تمثيلية برلمانية، ولا صوت لهم في القضايا الوطنية.
سادساً: لماذا تفشل الدولة؟
التحقيق يظهر أن الفشل ناتج عن:
غياب رؤية وطنية للجالية.
الخوف من تمثيلية سياسية مستقلة للمغاربة بالخارج.
عقلية أمنية بدل مقاربة حقوقية.
استعمال الجالية كورقة اقتصادية فقط.
عجز دبلوماسي مستمر.
جالية قوية بلا وطن قوي
ملايين المغاربة بالخارج اليوم يدفعون ثمن سياسة قصيرة النظر:
فقدان الهوية،
انعدام الحماية،
الاستغلال الاقتصادي،
العزلة الثقافية،
وتخلي الدولة عن مواطنيها الأكثر هشاشة.
إذا استمر هذا الوضع، فإن المغرب سيخسر أقوى ثرواته الاستراتيجية: جاليته.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك