سفينة نوح.. المعجزة التي أنقذت البشرية من طوفان الغضب الإلهي

سفينة نوح.. المعجزة التي أنقذت البشرية من طوفان الغضب الإلهي
قصة قصيرة / الثلاثاء 29 يوليو 2025 - 22:55 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد العرش المجيد

أنتلجنسيا المغرب: هيئة التحرير

كانت الأرض تئن من جور البشر، الذين استبدلوا فطرة الخير بالكفر والطغيان، وأغرقوا العالم في حمأة المعاصي والظلم. لم يبق فيهم من يذكر الله إلا نبي واحد، هو نوح عليه السلام، الذي بُعث رحمة للعالمين وإنذارًا لقومه قبل أن تأتيهم الصيحة الكبرى.

نوح لم يكن مجرد نبي، بل كان رمزًا للصبر والإصرار، قضى قرابة ألف سنة يدعو قومه لعبادة الله وحده، دون كلل أو يأس، حتى قال له ربه: لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون.

حين جاء الأمر الإلهي، أمر الله نوحًا أن يصنع سفينة عظيمة، وسط الصحراء القاحلة، في مشهد سخر منه الناس، فكيف لسفينة أن تُبنى على اليابسة، وما الحاجة لها تحت شمس لا تعرف المطر؟ لكن نوح كان على يقين بوعد الله.

بدأ نوح وأتباعه القليلون بجمع الخشب، وطرق المسامير، وبناء هيكل السفينة، قطعة بعد أخرى، في مشهد لم يفهمه سوى من آمن. وكان الناس يمرون بهم ويضحكون، قائلين: أأصبحت نجارًا يا نوح؟

أمره الله أن يبني السفينة تحت عنايته ووحيه، فكانت سفينة مختلفة عن أي سفينة عرفها البشر. لم تكن مجرد وسيلة نجاة، بل كانت تابوتًا للإنسانية، يحفظ ما تبقى من فطرة الله في الأرض.

وبينما كان الظلم يزداد، والناس يستهزئون، كانت السفينة تكتمل ببطء، وكأنها تنسج بيد القدر، استعدادًا لأعظم كارثة عرفتها الأرض.

وجاء يوم الوعد. تفجرت الأرض عيونًا، وهطلت السماء أمطارًا لا تبقي ولا تذر. وارتفع الماء من كل صوب، وتحوّلت الأرض إلى بحر هائج، لا يرحم الضعفاء ولا ينقذ الأقوياء.

قال الله لنوح: احمل فيها من كل زوجين اثنين، وأهلك إلا من سبق عليه القول، ومن آمن. فجمع نوح الحيوانات من كل صنف، وركب السفينة مع من آمن من أهله، عدا ابنه الذي اختار الكفر رغم دعوة أبيه له.

يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قالها نوح، والدمع في عينيه. فردّ الابن بكبر: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. فأجابه نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم.

وفي لحظة، انشق البحر عن الابن، وغمره الطوفان. لم تشفع له صلة الدم، فالعبرة بالإيمان، لا بالقرابة.

أغلقت أبواب السفينة، وارتفعت وسط الطوفان، تائهة فوق الماء لأيام طويلة، لا مرسى لها سوى رحمة الله، ولا شراع لها سوى الثقة بالوحي.

ظلت السفينة تمخر عباب الطوفان، بينما هلك كل من على الأرض، من البشر والطغاة والمستكبرين. كانت الأرض تُطهّر من دنس الظلم، وتُعيد رسم بداية جديدة للإنسان.

وفي لحظة هدوء، أمر الله السماء أن تقلع، والأرض أن تبتلع ماءها، فانكشفت اليابسة، واستقرت السفينة على جبل الجودي، لتكون شاهدة على نهاية أمة وبداية أخرى.

خرج نوح ومن معه من السفينة، والنجاة تسبقهم، والشكر لله على ألسنتهم، ليبدأوا حياة جديدة قائمة على الإيمان والعدل.

أصبحت سفينة نوح رمزًا خالدًا للخلاص من الغرق في الظلم، وللتمسك بحبل الله في أشد اللحظات. قصة ليست فقط عن الطوفان، بل عن الإيمان الذي لا يغرق.

هذه السفينة لم تكن مجرد خشب ومسامير، بل كانت تجسيدًا لمعنى النجاة في طاعة الله، ولعاقبة الذين يصرون على الغفلة رغم النذر والآيات.

تتكرر حكاية نوح في كل زمان، بأشكال مختلفة، ولكن المبدأ واحد: الطوفان قادم لكل من يعاند الفطرة، والسفينة متاحة لمن يتمسك بالحق.

علّمتنا قصة نوح أن المعجزة لا تكون في حجم الحدث، بل في الصبر عليه. وأن البناء في وقت السخرية هو إيمان، والانتظار بصبر هو يقين.

لقد أثبت نوح أن القلة المؤمنة، حين تتوكل على الله، تهزم الأكثرية الضالة، حتى وإن كان صوت الحق خافتًا وسط ضجيج الاستهزاء.

الطوفان، في جوهره، لم يكن غضبًا فقط، بل تطهيرًا، وتجديدًا للعهد بين الإنسان وربه، ورسالة أبدية بأن العدل الإلهي لا يرحم من استكبر.

وهكذا، بقيت سفينة نوح درسًا خالدًا في التاريخ، تُروى في الكتب والصدور، شاهدة على انتصار الإيمان على الطغيان.

فهل نحن اليوم نسمع نداء نوح؟ وهل نستعد لركوب سفينة الحق في زمن طوفانات جديدة: من الفتن، والمادية، وغياب الضمير؟

قصة نوح لا تنتهي، لأنها نداء دائم للبشرية كي لا تغرق، وكي تبني سفينتها في القلوب، قبل أن يفوت الأوان.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك