من قاع الخابية : " لِي عْطَا لْبُوبْرِيصْ يْعْطِينَا " .

 من قاع الخابية : " لِي عْطَا لْبُوبْرِيصْ يْعْطِينَا " .
قصة قصيرة / الأحد 09 مارس 2025 - 21:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/إيطاليا

كان يا ما كان، في قديم الزمان، رجل يُدعى " المْهَنِّي "، اشتهر بكسله وعزوفه عن العمل، لا يبذل جهدًا إلا بمقدار ما يسد رمقه ورمق زوجته " الضَّرَاوِيَة "، غير مكترث لتحسين أوضاعه، كان جلّ اهتمامه منصبًا على تأمين مأكل ليلة واحدة و" الشَّقُوفَة " و" التَّقْصِيصَة "، حيث يقضي أيامه في إعداد الكيف البلدي، غارقًا في دخانه، يعيش في عالم بعيد عن الواقع .

وذات صباح، قرر " المْهَنِّيعلى غير عادته الذهاب إلى السوق بحثًا عن عمل، آملاً أن يجني بعض الدراهم ليشتري ضروريات البيت و" المَقْضِيَات " التي تبقيه في عالمه المعتاد، وبينما هو في الطريق، التقى بجاره " رَمَضَان "، الذي كان يقود قطيعًا صغيرًا من النعاج إلى السوق . عرض عليه مساعدته، فوافق "رَمَضَان"، وواصل الاثنان طريقهما مع القطيع.

وأثناء سيرهم، لمح " المْهَنِّي " حشرة صغيرة على ظهر إحدى النعجات، لفتت انتباهه، لكنه لم يُعِرها اهتمامًا كبيرًا، وظل يرمقها بين الفينة والأخرى، متعجبًا من ثباتها على ظهر النعجة.

وبعد رحلة شاقة، وصلا إلى السوق الأسبوعي، حيث تكفل " المْهَنِّي بمساعدة جاره في ترتيب النعاج داخل الرحبة، متتبعًا في الوقت ذاته مصير تلك الحشرة .

أخذ " رَمَضَان "  مكانه بين الباعة وسط رحبة الغنم بينما بدأ المشترون يتفحصون النعاج، مما اضطر القطيع إلى التزاحم والاحتكاك بجدار السوق .

كانت النعجة التي تحمل الحشرة من بينهن، وعندما التصق ظهرها بحائط صور السوق، ظهر "بُوبْرِيصْ "  يترقب فريسته الحشرة، وما هي إلا لحظات حتى وصلت النعجة والحشرة على ظهرها، فقط أخرج لسانه الطويل والتهم الحشرة.

عندها ابتسم " المُهَنِّي"  ابتسامة عريضة، وقال في نفسه:  "رَاهْ لِي عْطَا لْبُوبْرِيصْ يْعْطِينَا" .

بعد أن باع " رَمَضَان قطيعه، أعطى " المْهنِّي بضع دراهم قليلة بالكاد تكفي ثمن العودة إلى المنزل في سيارة " خُطَّافْ نظير مساعدته، فعاد إلى بيته مرتاح البال، هناك، استقبلته زوجته " الضَّرَاوِيَة"  بسيل من العتاب، معبرة عن استيائها حيث لم يجلب شيئًا، قائلة: " ألم تقل إنك ستعمل؟ .

لا يوجد طحين، لا شاي، لا سكر... سنموت جوعًا"، لكنه، غير مكترث، رد عليها ببرود    "سِيرِي تْهَنَّايْ، رَاهْ لِي عْطَا لْبُوبْرِيصْ يْعْطِينَا "، و "ضَرَبْ جُوجْ شَقُوفْتُهوغط في نوم عميق في مخدعه مرتاح البال .

اشتعلت نار الغضب في قلب " الضَّرَاوِيَة "، فقد نفد صبرها على حياة الفقر والكسل التي فرضها عليها زوجها، وقررت الانتقام منه، خرجت إلى الجبال وجمعت عددًا كبيرًا من العقارب في قربة فخار، متوهمة أن هذه ستكون نهايته .

وعندما عاد المساء، تسللت إلى غرفته وهو نائم، وألقت القربة عليه، ليتناثر ما فيها من عقارب سامة وتملأ الغرفة وتلسعه لتنهي حياته، "بْغَاتْ تْسَالِي مْعَاهْ" اشتعل المصباح الأحمر عند "الضَّرَاوِيَة".

لكن ما حدث كان أشبه بالمعجزة! . بدلاً من أن تلسعه العقارب، تحولت أمام عينيها إلى "لُوِيزْ"، وحلي، ومجوهرات ذهبية تلمع ببريق يخطف الأبصار، ذهلت " الضَّرَاوِيَة مما رأت، وساد الصمت للحظات قبل أن يفتح " المْهَنِّي عينيه، ينظر حوله، ثم ينفجر ضاحكًا قائلاً: "ألم أقل لك؟.

"رَاهْ لِي عْطَا لْبُوبْرِيصْ يْعْطِينَا".

لم تصدق "الضَّرَاوِيَةما حصل، فبدلًا من أن تلقن زوجها درسًا، وهبته الحياة ثروة لم يكن يحلم بها.

فكانت هذه الحكاية درسًا بأن الأرزاق تُقسم بقدر، وأن ما كُتب لك سيأتيك ولو لم تسعَ إليه، إنها حكاية من تراث الأجداد، تبرز حكمتهم ومخيلتهم الواسعة التي جعلت للحياة طابعًا تقليديًا ساحرًا، لا يزال يحفظه الزمن، حكاية تُروى جيلاً بعد جيل، لتذكرنا بأن الرزق بيد الله، وأن لكلٍّ نصيبه الذي لن يخطئه، مهما سعى أو تقاعس.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك