ثورة الملك والشعب: ملحمة وطنية خالدة تضيء حاضر المغرب ومستقبله

ثورة الملك والشعب: ملحمة وطنية خالدة تضيء حاضر المغرب ومستقبله
تقارير / الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 16:00 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد العرش المجيد

أنتلجنسيا المغرب:الرباط

تحل الذكرى الثانية والسبعون لثورة الملك والشعب يوم العشرين من غشت 2025 وسط أجواء وطنية حافلة بالاعتزاز والوفاء، حيث يستحضر المغاربة هذا الحدث التاريخي الذي جسد أروع صور التلاحم بين العرش والشعب في مواجهة الاستعمار الفرنسي. إنها ذكرى تعيد إلى الأذهان قوة الإرادة المغربية وصلابة الموقف الوطني، وكيف استطاع المغاربة بقيادة رمز الأمة جلالة المغفور له محمد الخامس أن يحولوا محنة النفي إلى منطلق للنصر والتحرير.

في ذلك اليوم الأسود من سنة 1953 اعتقد المستعمر أنه بنفي الملك الشرعي سيقضي على جذوة الكفاح، لكنه سرعان ما فوجئ بانتفاضة عارمة عمّت كل أنحاء المغرب، لتتحول لحظة الغدر إلى بداية النهاية للوجود الاستعماري. لقد وقف المغاربة صفًا واحدًا خلف عاهلهم الشرعي، وضحوا بالنفس والنفيس في سبيل استرجاع الكرامة الوطنية.

لقد كانت ثورة الملك والشعب لحظة فاصلة في التاريخ المغربي، إذ بينت أن قوة الأمة لا تُقاس بالعتاد العسكري بل بإيمانها بقضيتها وتلاحمها بين العرش والشعب. فقد ظن المستعمر أن التفرقة قادرة على شق الصف الوطني، غير أن المؤامرات باءت بالفشل، وخرج المغاربة أكثر قوة وعزيمة وإصرارًا على تحرير الوطن.

المغفور له محمد الخامس، بطل التحرير، رفض التنازل أو التراجع عن حق المغرب في الحرية، فاختار المنفى على حساب الاستسلام، وهو موقف بطولي جعل الشعب يزيد ارتباطًا به، ويعتبره رمزًا للشرعية والسيادة الوطنية. لقد كانت التضحية المشتركة بين الملك والشعب درسًا خالدًا في الوطنية الحقة.

لقد اندلعت أعمال المقاومة والفداء بقوة بعد نفي الملك، حيث تفجرت المظاهرات والاحتجاجات في مختلف المدن المغربية، وارتفعت أصوات الحرية مطالبة بعودة الشرعية وإنهاء الاحتلال. ولم يقتصر الأمر على الجانب الشعبي، بل انخرطت الحركة الوطنية وجيش التحرير في عمليات بطولية أربكت المستعمر وزادت من خسائره.

كانت العمليات التي خاضها جيش التحرير في شمال المغرب، خاصة ابتداء من فاتح أكتوبر 1955، بمثابة الحسم في معركة الكرامة. فلم يجد المستعمر أمام تصاعد المقاومة سوى الرضوخ لإرادة العرش والشعب، وهو ما تحقق بعودة الملك الشرعي إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، إيذانًا ببدء عهد جديد من الحرية والاستقلال.

عودة الملك لم تكن مجرد حدث سياسي بل كانت ميلادًا جديدًا للأمة المغربية. فقد عمت الأفراح ربوع الوطن، وانطلقت مرحلة البناء والجهاد الأكبر، حيث انكب المغاربة على تشييد مؤسسات الدولة المستقلة ومواجهة تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لكن مسيرة التحرير لم تتوقف عند الاستقلال السياسي، بل تواصلت باسترجاع الأقاليم الجنوبية. فتم استرجاع طرفاية سنة 1958 وسيدي إفني سنة 1969، لتتوج الملحمة بالمسيرة الخضراء المظفرة التي قادها جلالة المغفور له الحسن الثاني سنة 1975، وأعادت الصحراء المغربية إلى حضن الوطن الأم.

لقد شكلت المسيرة الخضراء أسلوبًا حضاريًا فريدًا في النضال السلمي، وكرست من جديد معاني التلاحم بين العرش والشعب. وقد تحققت بفضلها السيادة الكاملة على الصحراء المغربية بخروج آخر جندي أجنبي سنة 1976 واسترجاع إقليم وادي الذهب سنة 1979.

إن الاحتفال بذكرى ثورة الملك والشعب اليوم هو أيضًا محطة للتأمل في القيم الوطنية التي أرسى دعائمها جيل المقاومة والتحرير. فهي مناسبة لغرس معاني الوفاء في نفوس الأجيال الصاعدة، وتعليمهم أن الحرية لم تكن منحة وإنما ثمرة تضحيات جسام بذلها الأجداد.

الذكرى الثانية والسبعون تقترن هذه السنة بعيد ميلاد جلالة الملك محمد السادس، وهو رمز الاستمرارية وحامل مشعل البناء والتحديث. ففي عهد جلالته، واصل المغرب مسيرة الدفاع عن وحدته الترابية، وأطلق مشاريع تنموية كبرى جعلت من المملكة نموذجًا في الاستقرار والتقدم على مستوى المنطقة.

المغرب اليوم، تحت قيادة الملك محمد السادس، يستمد قوته من روح ثورة الملك والشعب، تلك الروح التي تؤكد أن العرش والشعب كيان واحد لا ينفصم عراه. فما تحقق بالأمس بالسلاح والتضحيات يتواصل اليوم بالتنمية والإصلاح والتشبث بالثوابت الوطنية.

إنها ملحمة تؤكد أن الوطنية ليست مجرد شعارات بل التزام يومي بالعمل والبناء والدفاع عن المكتسبات. وها هو المغرب يواجه تحديات العصر من موقع قوة وثقة، مستلهمًا دروس التاريخ ومتشبثًا بمساره الوحدوي.

كما أن تخليد هذه الذكرى فرصة للتأكيد على التلاحم الدائم بين العرش والشعب في مواجهة كل الأطماع والمؤامرات الخارجية. فالمغرب الذي انتصر بالأمس على الاستعمار قادر اليوم على إفشال كل المناورات التي تستهدف وحدته وسيادته.

لقد أكدت ثورة الملك والشعب أن الأمة المغربية عصية على الانكسار، وأنها قادرة دائمًا على تجاوز الأزمات بفضل وحدتها وتشبثها بعرشها العلوي المجيد. وهذه الحقيقة تتجلى اليوم في المواقف الوطنية الراسخة تجاه قضية الصحراء المغربية.

مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 ما هي إلا امتداد لروح ثورة الملك والشعب، فهي تعكس إرادة في الحل السلمي الواقعي الذي يحفظ السيادة الوطنية ويضمن كرامة المواطنين في الأقاليم الجنوبية.

وقد حظيت هذه المبادرة بدعم واسع من المجتمع الدولي، وهو ما يؤكد صوابية الموقف المغربي ويعزز مكانة المملكة كقوة إقليمية صاعدة تدافع عن مصالحها بالشرعية والقانون.

الخطابات الملكية الأخيرة تؤكد هذا التوجه، إذ يحرص جلالة الملك محمد السادس على تجديد الدعوة إلى بناء اتحاد مغاربي متماسك يقوم على التعاون لا التفرقة، وعلى الحوار الصريح مع الجارة الجزائر لما فيه مصلحة الشعبين.

إنها رسالة امتداد لثورة الملك والشعب، فكما قاوم المغاربة بالأمس الاستعمار بوحدة الصف، فإن المستقبل لا يمكن بناؤه إلا بالتكامل والتعاون بين الشعوب المغاربية الشقيقة.

الذكرى 72 لثورة الملك والشعب ليست مجرد استحضار للماضي، بل هي دعوة للاستمرار في حمل مشعل النضال، سواء عبر تعزيز الوحدة الوطنية أو دعم التنمية الشاملة أو حماية السيادة الوطنية.

إنها لحظة لتجديد القسم والولاء للعرش العلوي المجيد، وتأكيد استعداد كل المغاربة لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية بروح التضحية التي ميزت الأجداد.

وكما كان جيل التحرير وفيًا لملكه ووطنه، فإن الأجيال الحالية مدعوة لتجسيد نفس الوفاء من خلال خدمة قضايا الوطن في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ثورة الملك والشعب كانت بالأمس ملحمة للتحرير، وهي اليوم مصدر إلهام لمعركة البناء. فالمغرب الذي انتصر على الاستعمار قادر على كسب رهانات التنمية والحداثة والتقدم.

وفي النهاية تبقى ثورة الملك والشعب صفحة مشرقة في تاريخ المغرب، ومثالًا خالدًا على أن الشعوب المتلاحمة بقيادتها قادرة على صنع المعجزات. إنها ثورة تتجدد في كل جيل، وتبقى منارة تهدي خطوات الوطن نحو مستقبل أفضل.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك