حرية الصحافة في المغرب بين انفراجة محتشمة وظلال شك قاتمة

حرية الصحافة في المغرب بين انفراجة محتشمة وظلال شك قاتمة
تقارير / الثلاثاء 17 يونيو 2025 - 22:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي

بعد سنوات من الانتقادات التي وُجّهت إلى المغرب بسبب ما وُصف بتضييق الخناق على الصحافة المستقلة وتنامي هيمنة الدولة على وسائل الإعلام، عاد النقاش مجددًا حول واقع حرية الصحافة في البلاد، إثر إشارات وصفت بـ"المبشرة" رافقتها تحذيرات من انتكاسة محتملة.

تقرير "الأخبار الرقمية 2025"، الصادر عن معهد رويترز للصحافة، يرسم صورة معقدة للمشهد الإعلامي المغربي، حيث يختلط الأمل بالحذر.

إطلاق سراح صحفيين بارزين يثير موجة تفاؤل

من أبرز المؤشرات التي التقطها التقرير هو إطلاق سراح ثلاثة من أبرز الصحفيين الموقوفين خلال السنوات الأخيرة، وهم عمر الراضي، وسليمان الريسوني، وتوفيق بوعشرين، وهي خطوة رحّبت بها عدة منظمات حقوقية ووسائل إعلام دولية باعتبارها بادرة إيجابية.

لكن التفاؤل الناتج عن هذه المبادرة لم يدم طويلًا، خصوصًا في ظل استمرار الغموض القانوني الذي يحيط بوضعهم، مما يمنعهم فعليًا من العودة إلى ممارسة عملهم الصحفي بحرية واستقلالية.

إصلاحات تنظيمية تثير القلق بدل الطمأنينة

رغم ما يُنظر إليه كتحسن نسبي في التعاطي مع ملفات بعض الصحفيين، إلا أن المعهد حذر من أن بيئة العمل الإعلامي في المغرب ما تزال تعاني من توتر كبير، نتيجة ما أسماه "الإصلاحات المثيرة للجدل".

وأشار في هذا الصدد إلى قرار الحكومة بحل المجلس الوطني للصحافة، وهو هيئة منتخبة، واستبداله بلجنة معينة مباشرة من قبل السلطة التنفيذية. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول نية الدولة في الإبقاء على أي شكل من أشكال التنظيم الذاتي للقطاع الصحافي.

قوانين بدون سجن لكن الملاحقات مستمرة

من الناحية التشريعية، ألغى المغرب عقوبات السجن في قضايا النشر ضمن قانون الصحافة، لكن، بحسب معهد رويترز، فإن السلطات تلجأ في العديد من القضايا إلى القانون الجنائي لتأطير محاكمات الصحفيين والمدونين، مما يفرغ إصلاحات قانون الصحافة من مضمونها. هذا التوجه، حسب نشطاء حقوقيين، يمثل خطًا أحمر يُقوّض فرص بناء إعلام مستقل.

حرية التعبير في ظل المسطرة الجنائية

أحد أكبر مصادر القلق التي توقف عندها التقرير، يتمثل في مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، والذي يشير منتقدوه إلى أنه يتضمن فصولًا من شأنها الحد من تقديم شكايات الفساد، مما قد يعرقل جهود الشفافية والمساءلة، ويمنح المسؤولين الحكوميين حماية إضافية من النقد العام، خصوصًا من قبل الصحافة المستقلة.

قفزة في التصنيف العالمي..ولكن؟

أشار التقرير إلى أن المغرب حقق قفزة نوعية في تصنيف "مراسلون بلا حدود"، إذ تقدم بـ24 مرتبة منذ عام 2023، وهو ما يُعدّ تطورًا ملحوظًا على الورق.

غير أن المعهد نوّه إلى أن هذا التحسن الكمي لا يعكس بالضرورة تحسّنًا نوعيًا على الأرض، إذ لا يزال الصحفيون المستقلون يعيشون تحت "ضغط دائم"، ويتعرضون لرقابة خفية ومضايقات غير مباشرة.

الإعلام الرقمي على خط النار

وسط هذه المتغيرات، يبرز التوتر بين السلطة والمواقع الإخبارية الرقمية الصغيرة والمستقلة، والتي غالبًا ما تواجه عراقيل إدارية أو متابعات قانونية قد تُعيق عملها أو تُجبرها على الإغلاق.

ويرى معهد رويترز أن مستقبل هذه المنابر هو أحد المؤشرات الحقيقية التي ستُظهر ما إذا كانت المملكة تتجه فعليًا نحو الانفتاح الإعلامي أو تكتفي فقط بخطوات شكلية لتهدئة الانتقادات الخارجية.

مفترق طرق حاسم

يخلص التقرير إلى أن الإعلام المغربي يوجد اليوم عند مفترق طرق حاسم، يتأرجح بين بوادر إصلاح وحقيقة واقعٍ لا يزال بعيدًا عن الصحافة الحرة بالمعنى الكامل للكلمة.

فالانفراجات الرمزية تحتاج إلى ترجمة مؤسساتية وتشريعية حقيقية، وإلا فإن المخاوف القديمة ستبقى قائمة، وسيظل الإعلام الوطني مقيدًا، ولو بأشكال جديدة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك