أنتلجنسيا المغرب: الرباط
في أحد الأيام قرر جحا أن يبيع حماره لأنه كان يشعر أن هذا
الحيوان لم يعد يناسب مقامه بين الناس.
ذهب إلى السوق وأخذ ينادي بصوت عالٍ: “من يشتري الحمار الحكيم؟
لا يأكل كثيرًا ولا ينهق إلا بالحكمة!”
اجتمع الناس من كل ناحية، وضحكوا من توصيفه، لكن أحدهم دفع له
ثمناً جيداً لأنه كان يثق في حيل جحا التجارية.
رجع جحا إلى بيته فرحًا وهو يقول: “لقد تخلصت من الحمار وربحت
المال، أيُّ نصر أعظم من هذا؟”
بعد أيام، شعر جحا بفراغ غريب، فقد اعتاد أن يصحب الحمار في
تنقلاته، وبدأ يحن إلى رفقة الحيوان الصامت.
عاد إلى السوق يبحث عن حمار جديد، لكن الأسعار ارتفعت، والحمير
أصبحت أكثر ندرة.
وبينما هو يفتش، وجد حمارًا يبدو مألوفًا، اقترب منه، تفحّصه،
ثم صرخ: “يا للدهشة! إنه حماري!”
كان البائع رجلاً غريبًا، حاول إقناع جحا أن هذا الحمار اشتراه
منذ أيام من رجل لا يعرفه، ولا علاقة له بجحا.
لكن جحا أصر وقال: “هذا الحمار يعرفني، وإن لم ينهق حين أقول
اسمي فهو ليس لي!”
اقترب منه وهمس في أذنه: “جحا…” فنهق الحمار بصوتٍ مدوٍّ، كأنه
يقول له: "أين كنت؟"
ضحك الحاضرون، وقالوا للبائع: “هذا الحمار لا يكذب، لقد شهد
لصاحبه، لا حجة لك بعد اليوم!”
وافق البائع على بيعه الحمار من جديد، لكن بثمن مضاعف، وقال:
“من استرجع حبه القديم، فليدفع ثمن الحنين!”
أخرج جحا المال وهو يضحك، ثم قال: “أشتري الحكمة، لا الحمار.
والحنين أغلى من الذهب.”
وفي طريق العودة، أخذ الحمار يتوقف كل لحظة، ينظر إلى جحا،
وكأنه يعاتبه: “بعتني أيها الأحمق ثم اشتقت إليّ؟”
فرد عليه جحا قائلاً: “ومن قال إني لست أحمق؟ لكني أحمق يعرف
كيف يحب ويشتاق!”
مر به أحد أصدقائه وسأله: “ألم تبعه؟ لمَ اشتريته ثانية؟”
قال جحا: “بعته بعقلي، واشتريته بقلبي، والعقل لا يعرف متعة
الحنين!”
ضحك الرجل ومضى، بينما بقي جحا يمشي بجوار حماره متأملاً:
“أحيانًا، نبيع ما نحب لنشتري الدرس... ثم ندفع أكثر لنسترجع الشعور.”
وفي المساء، جلس جحا في فناء بيته، يطعم الحمار بيده، وقال له:
“لو كنتَ تتكلم، لطلبت منك أن تسامحني.”
ونهق الحمار مرة أخرى،
فابتسم جحا وقال: “عرفت أنك سامحتني... لكن لا تقل لي كم دفعت، فما زال الجرح
ساخنًا!”
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك