أنتلجنسيا المغرب: فهــــد الباهــــي/إيطاليا
وأنت تجري وتلعب، أو أن تكون واقفًا
"عاصِرًا" في "البلياردو" بالحي الشعبي، بمجرد ما تسمع عبارة
"تَسْ تَسْ" يتبادر إلى ذهنك مباشرة أن فتاة تعبر الشارع، يتربص بها فحل
من فحول الحومة.
يقف "قدور" بعدما يكون
تزيَّن في سرواله الهندي الأنيق "المَكْرُوزْ" مثل قوس الكمان، ذو اللون
الأصفر الزعفراني وهو إحدى صيحات زمانه في تقليد للممثل الهندي الشهير
"أَمِيطْ أَبَاشَانْ"، وحِذَاؤُه البني اللون "المْمَقَّرْ"
الرأس "لُوِينْسْتَرْ"، و"قَمِيجْتُه المَكْرُوزَة" طويلة
الأذنين بالعنق مَرشُومة بخريطة العالم منسوجة من الحرير هندي الصنع حسب ما أخبرنا
به قدور حينها.
"القَمِيجَة" ومطلية بجميع
الألوان، "الخَرْشَفِي والقُوقِي والبَرْقُوقِي والعَكْرِي"...، ورشات
من عطر (كُولُونْيَا) "تِشْ تِشْ" يصبح "قدور" جاهزًا للإيقاع
بإحدى ضحاياه من الفتيات الجميلات.
تمر "مَسْعُودَة" وهي في
ريعان شبابها، قامة معتدلة ممشوقة القوام تُصِرُّ الناظرين، تلبس تنورة طويلة إلى
أسفل كعبي القدمين مُجَرْجَرَة لا تُبَيِّنُ شيئًا من شعاب وتلال وهضاب جسمها،
تُسمَّى بَصَّايَة "كُوَادَا لُوبِي".
كانت تعتبر في ذلك الزمان
"مَاسْخَة" وقتها في نظر العائلات والأهالي وغير مقبولة... تمر
"مسعودة" أمام العاشق "الهندي دِيَالْ الحُومَة" الذي خرج من
قاعة سِينِيمَا فقراء الحي للتو، عبارة "كْرَاجْ" كان به فِيدْيُو نتفرج
فيه بدرهمين للفلم الواحد، كان "الكْرَاجْ" بمثابة صالة سِينِيمَا
الحُومَة، سبق وتشبع فكر "قدور" بقصة حب هندية وخرج ليُطَبِّقَهَا على
أرض الواقع، تبدأ عملية "التَّصْيَادْ" في "رَاسْ الدْرَبْ"
لحبيبته "مَسْعُودَة".
"بَسْ بَسْ" لم تلتفت
"مَسْعُودَة"، ثم "تَسْ تَسْ" لم تُبَالِ المجنونة
"مَسْعُودَة"، ثم "كِسْ كِسْ" غير مهتمة
"مَسْعُودَة"، ويظل الشاب يغير الأنغام الفموية وينشد العبارات والجمل
طوال اليوم كطائر مُغَرِّد، بين الفينة والأخرى ينفُتُ ريشه، لأجل الإيقاع بـ
"مَسْعُودَة" في شِرَاكِه وحبائل حبه...
تمضي "مَسْعُودَة" ورأسها
في انحناء تام وعيناها ملتصقتان بالأرض، ولا ترد على "المْعْطِي"،
"كَايْنْ غِيرْ الضْرْبْ وَالسْكَاتْ" تصل إلى منتهى الحُومَة تُجِيشُ
وتحرك أحشاء "قَدُورْ" بغمزة من عيونها النضاختين وتهرب وتتسلل في خفية
من والدها إلى البيت وقلبها يخفق فرحًا لأنها بدأت تحس باهتمام من
"بَعْلْ" في الحُومَة.
وربما يجد "قَدُورْ" في
طريقه منافسًا...، يأتي "قَدُورْ" مسرعًا ويتسمر كالمسمار أمام البيت
ويحملق بعينيه اللتين لا تكفان عن الدوران مثل "حْرَامِي" في جميع منافذ
البيت وثقبه لعله يسرق نظرة عشق من إحدى الشقق، ويحاول خلق صداقات مع أبناء
الحُومَة ليضمن بذلك تواجده باستمرار لمشاهدة حبيبته "مَسْعُودَة" التي
خدَّرَتْ عقله بمساج "دْيَالْ بْكْرِي" غمزة، دون أن يُثِير حوله
الشبهات، وهي تتمختر في مشيتها في طريقها إلى "فْرَّانْ الحُومَة"، ويظل
"قَدُورْ" يتوجع ألمًا وعشقًا إلى أن جمع ما تيسر من المال وتزوجها،
أغلب العلاقات كانت تنتهي بالزواج والذي استمر بعضه بين 40 و50 و60 و70 سنة.
هكذا كان الحب والعشق الحقيقي قديمًا،
ليس كحب اليوم المبني على المال كشرط أساس في البداية.
اليوم بمجرد ما يُنَغِّمُ الشاب
"بَسْ بَسْ" حتى تجيبه الفتاة قبل الوصول إلى "تَسْ تَسْ"
"آمَالَكْ تَابْعْنِي بْحَالْ بُومْقِيصْ؟ بْغِيتِي شِي حَاجَة؟ هَا
الضْسْ"، رفعت الأقلام وجفت الصحف، إنه زمن السرعة.
كانت علاقات الحب عبر الرسائل المكتوبة على أوراق و"الكَرْطْ بُوسْطْ" وأوراق الدفاتر التي كان يُخصَّص نصفها العشاق لكتابة رسائل غرامية لحبيباتهم، و"الغْمِيزْ وَالتِّشْيَارْ" بالأيادي من بعيد، غالبًا ما كانت تكلل هذه العلاقات بالنجاح والزواج، أصبح اليوم "الفَايْسْبُوكْ" يفتح لـ"الشَّابْ وْالمِيخِيرَة" آلاف العلاقات في ظرف وجيز نادرًا ما تنجح منها واحدة، وعاد الآباء ينادون في بناتهم "وَلْبْسُو غِيرْ صَايَةْ كُوَادَا لُوبِي"، "وَاشْ طْيَابْ البُوطَا هُوَ طْيَابْ المَجْمَرْ؟"
سبق ونشر سنة 2016 .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك