حين داهمته البعوضة وسقط عرش الطغيان "النمرود" الذي ظن نفسه إلهاً فزلزلته حشرة

حين داهمته البعوضة وسقط عرش الطغيان "النمرود" الذي ظن نفسه إلهاً فزلزلته حشرة
قصة قصيرة / الأربعاء 04 يونيو 2025 - 22:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:الرباط

كان النمرود واحدًا من أعتى طغاة التاريخ، ملكًا جبارًا لا يعرف الرحمة، حكم مملكة بابل بقبضة من حديد، ونسب لنفسه الألوهية، متحديًا الخالق في جنون سلطوي ما عرف له مثيل. لم يكن مجرد طاغية، بل كان رمزًا للاستبداد الذي فقد البوصلة، حتى اختلط عليه الحق بالباطل، وظن أن لا شيء في هذا الكون قادر على إخضاعه.

في ذروة غروره، نصب النمرود نفسه إلهًا على الناس، وأجبر رعيته على السجود له، رافعًا رايات الكفر والاستخفاف بقدرة الله. فحين سُئل عن الرب، أنكر وجوده، بل وتمادى في الغطرسة وقال: "أنا أحيي وأميت"، في مشهد من مشاهد الجبروت والجهل، حين استقدم رجلين فقتل أحدهما وعفا عن الآخر، ظنًا منه أن الحياة والموت ملك يده.

واجهه نبي الله إبراهيم عليه السلام بالحجة والبرهان، وسأله إن كان حقًا إلهًا، فليأتِ بالشمس من المغرب بدل المشرق. عندها بُهت النمرود، تلعثم لسانه وسكن فؤاده لحظة، لكن كبرياءه لم يسمح له بالتراجع، فاستمر في الطغيان، وأمر بقتل إبراهيم. لكن الله نجّى نبيه، وبدأت قصة العقاب السماوي الذي سيهدم عرش الظلم بحشرة صغيرة.

لم يكن في حسبان النمرود أن نهايته ستكون مأساوية بهذا الشكل، إذ ظن أن الموت لن يطاله، وأن جنوده وحصونه وقصوره قادرة على حمايته من أي خطر. لكنه غفل عن أن الجندي الذي سيقتله لن يحمل سيفًا، بل سيكون أضعف مخلوق في ميزان البشر: بعوضة.

أرسل الله على جيش النمرود جحافل من البعوض، ملايين الحشرات الصغيرة التي اجتاحت المعسكرات، وأفسدت عليهم الحياة، تسللت إلى أفواههم، وآذانهم، وثيابهم، وأسقطت جيوشًا بلا سلاح. لم تكن البعوضة وحدها، بل كانت رسل العذاب الإلهي، دليلًا على أن القدرة الإلهية لا تقاس بالقوة الظاهرة، بل بالحكمة والعدالة.

أما النمرود، فدخلت بعوضة إلى أنفه واستقرت في دماغه، فبدأ يصرخ من الألم، ويضرب رأسه بكل ما حوله، جن جنونه، وراح يصرّ على عبيده أن يضربوه بالمطارق على رأسه لعل الألم يتوقف، لكنه لم يكن يعلم أن هذه الضربات لم تكن سوى تمهيد لحتفه المحقق.

لبث النمرود في عذاب يومي، تضربه يد جنوده وأبواقه على رأسه طلبًا للراحة، لكنه كان يتعذب كل ساعة، وكل دقيقة، حتى صار يركع لعذاب البعوضة، يئن من ألم لم تنفع فيه كنوز بابل، ولا أطباء القصر، ولا سحرة الطغيان.

كانت البعوضة تنتقم لكرامة المظلومين، تمثل القصاص الإلهي من ملكٍ طغى وتجبر، وأهان الناس، وأهان خالقهم. كانت تحفر في رأسه، تقرض عقله، تنهشه نهشًا بطيئًا، وكأنها تمثل كل الأرواح التي أزهقها بطغيانه وجنونه.

وبينما كان صراخه يهز جدران قصره، جلس العبيد مذهولين، يشهدون على نهاية سيدهم الذي صار بلا هيبة، وبلا كبرياء، مجرد جسد يتلوى تحت وطأة حشرة صغيرة، لا تفهم معنى الذهب ولا الرتبة ولا السلطان.

سقط النمرود، ليس برمح ولا بسيف، بل بسخرية إلهية، بأن يُهزم ببعوضة، يموت وهو يصرخ من ألم لا يُرى، ويُذكر في التاريخ عبرةً للطغاة، بأن الجبروت لا ينفع حين يتحدى الإنسان خالقه.

كان موته عنوانًا لانتصار العدالة الإلهية على الجبروت البشري، إذ لا حائط يعلو فوق حكم الله، ولا عرش يحصن صاحبه من القصاص إذا ظلم.

قُتل النمرود بضربة إلهية ذات توقيت دقيق، دُفن والناس يتحدثون عن الجنون الذي اجتاحه، عن الصراخ الذي لم يتوقف، عن الذل الذي عاشه في أيامه الأخيرة، ليتحول من متألّه مزعوم إلى جثة تثير الشفقة.

ولم تمض سنوات كثيرة حتى بات اسمه يُضرب به المثل في الطغيان، وارتبط ذكره بالبعوضة، وصار الأطفال يتعلمون من قصته أن الله أقوى من كل سلطان، وأن نهاية الظالم آتية ولو بعد حين.

ظل ذكر النمرود حيًا في الكتب والسير، لا لأنه بطل، بل لأنه رمز السقوط المدوي، الدرس الذي لا يُنسى، الحكاية التي تهمس بها الأجيال في آذانها كلما طغى طاغية، أو ادعى بشرٌ أنه فوق القانون.

لقد أرسل الله بعوضة لتقلب ميزان الأرض، وتُسقط ملكًا متألهًا، وتُعلن أن لا شيء يُعجز القدرة الإلهية، حتى وإن توهم الطغاة أن السماء غافلة عنهم.

وها هو التاريخ يسير، وكل من طغى، مهما علا نجمه، ومهما صال وجال، يجد نهايته في لحظة ضعف، حين تنقض عليه عدالة لا يُرى قادمها، وتكسر صولجانه في لحظة لا يتوقعها.

أما البعوضة، فبقيت في سجل المجد، مخلوق صغير هزم جبروتًا عظيمًا، وأثبتت أن لله جنودًا لا يعلمها أحد، لا تهزمها الجيوش، ولا تحاصرها الأسوار.

لم تكن قصة النمرود مجرد حكاية، بل وصية من التاريخ، أن العروش تُهدم حين تعلو على الحق، وأن نهاية الطغيان دائمًا تأتي من حيث لا يُحتسب.

فليتذكر الطغاة من بعده، أن من يظن نفسه فوق القانون، قد يسقط بحشرة، وقد يُهزم بصوت مظلوم، وقد يُمحق في لحظة لا شفقة فيها، لأن الله لا ينام، ولا يُمهل طاغية بلا نهاية.

 

 

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك