أنتلجنسيا المغرب:هيئة التحرير
كان الملك أدهم حاكماً عادلاً لا يطيق
الظلم، يسهر على راحة شعبه، ويسعى لإرساء العدل بين الناس. لكنه لم يكن يعلم أن
دواليب قصره تعج بالمفسدين الذين استغلوا نفوذهم لخدمة مصالحهم على حساب البلاد.
ذات ليلة، بينما كان يتفقد أحوال مملكته، سمع حديثاً هامساً بين اثنين من حراسه عن
سرقات كبرى وصفقات مشبوهة تحدث داخل أروقة القصر.
شعر الملك بالغضب، لكنه قرر التحلي
بالحكمة، فاستدعى وزيره الأمين وأمره بجمع أدلة سرية حول كل من يتلاعب بأموال
الدولة أو يظلم الشعب. لم تمضِ أيام حتى عاد الوزير بقائمة طويلة من الأسماء، تضم
مسؤولين كباراً ومستشارين وثق بهم الملك يوماً، لكنهم خانوا الأمانة.
لم يشأ الملك أن يعلن الحرب دفعة
واحدة، بل قرر التخلص منهم واحداً تلو الآخر، حتى لا يشعر البقية بالخطر فيهربوا.
بدأ بأقربهم إليه، قائد الحرس الملكي، الذي كان يتستر على اللصوص ويساعدهم في
تهريب الأموال. في إحدى الليالي، أمر الملك بإلقاء القبض عليه، وحين واجهه
بالحقيقة، لم يجد القائد ما يدافع به عن نفسه، فأمر بنفيه إلى أقاصي المملكة بلا
رجعة.
توالت الإطاحة بالأشرار، فبعد القائد
جاء دور رئيس الخزانة، الذي كان يسرق الذهب من خزائن المملكة ويبدله بنحاس مطلي
لخداع الملك. استدعاه أدهم في اجتماع خاص وسأله عن حسابات الدولة، وعندما ارتبك في
الرد، أدرك الملك أنه مذنب، فأمر بسجنه مع اللصوص الذين كان يحميهم.
أدرك البقية أن الملك بدأ يضيق الخناق
عليهم، فحاولوا التستر على جرائمهم، لكن ذلك لم يوقف عدالة أدهم. جاء الدور على
مستشار القصر الذي كان يبيع الأسرار لأعداء المملكة. استدرجه الملك إلى اجتماع
مغلق وواجهه بأدلة دامغة، وحين حاول الإنكار، أمر الملك بترحيله إلى منفى مهجور،
ليعيش بقية حياته معزولاً عن البشر.
تواصلت حملة التطهير حتى لم يبقَ في
القصر سوى الملك ورجاله المخلصين، لكن ما أثار دهشته أن بعض الخونة لم يكونوا فقط
من المسؤولين، بل حتى من خدم القصر. إحدى الوصيفات كانت تتجسس لصالح أحد الأمراء
الطامعين بالعرش، ولما اكتشف أمرها، ألقى بها الملك في السجن مع من سبقها، ليكونوا
عبرة لكل من تسوّل له نفسه خيانة الأمانة.
مع مرور الأيام، بدأ القصر يستعيد
نقاءه، وعادت المملكة إلى سابق عهدها من العدل والاستقرار. لم يتوقف الملك عند
مجرد معاقبة الفاسدين، بل شرع في تعيين رجال أكفاء في أماكنهم، ليضمن أن لا يعود
الظلم إلى دولاب الحكم مجدداً.
وفي يوم الاحتفال السنوي للمملكة، خرج
الملك أدهم إلى شعبه، وأعلن أنه قد خلص القصر من كل الخونة، وتعهد بأن لا يسمح لأي
فاسد بالاقتراب من الحكم مرة أخرى. علت الهتافات في أرجاء البلاد، وهتف الشعب
باسمه، فقد كان أول ملك يتجرأ على مواجهة الفساد علانية دون خوف أو تردد.
أصبح الملك أدهم رمزاً للعدل والقوة،
وتحولت قصته إلى أسطورة تتناقلها الأجيال، عن ذلك الحاكم الذي لم يتهاون مع الظلم،
ولم يرضَ أن يكون قصره وكره للأشرار. وبقيت مملكته مزدهرة لسنوات طويلة، لأن العدل
حين يُفرض بالقوة، لا يجرؤ أحد على تجاوزه.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك