بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي/بيروت
العدو
الإسرائيلي يواصل حربه ويستمر في عدوانه
مضى منذ ظهر
يوم الجمعة العاشر من أكتوبر وحتى اليوم، اثنان وأربعون يوماً على دخول خطة الرئيس
الأمريكي للسلام في قطاع غزة حيز التنفيذ، والإعلان الرسمي الدولي عن انتهاء الحرب
ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وإعلان رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو
التزامه بوقف العمليات الحربية بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة ترامب،
التي استبشر بها الفلسطينيون والعديد من شعوب المنطقة والعالم خيراً، وأملوا بوقف
الحرب على غزة، وانتهاء العدوان، والمباشرة في تنفيذ بنود الخطة.
ورأى الكثير
منهم أن الجمهرة الدولية التي دعا إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمدينة شرم
الشيخ المصرية الساحلية، بالتعاون مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هي خير
ضمانٍ لالتزام الحكومة الإسرائيلية بالخطة، وخضوعها لإملاءات الرئيس الأمريكي الذي
وضع كل ثقله في الخطة التي أعلن عنها وحملت اسمه، وأوفد لمراقبة تنفيذها وضمان
استمرارها كبار مساعديه ومستشاريه، وأنشأ مركز قيادة عسكرية أمريكية في قرية
"عراق المنشية" ببلدة الفالوجا الفلسطينية المحتلة "كريات
جاد"، وأعلن بنفسه في العديد من تصريحاته أن "الحرب قد انتهت، قد انتهت،
قد انتهت".
إلا أن الواقع
على الأرض كان بخلاف ذلك تماماً، فقد تحدى نتنياهو الرئيس الأمريكي وقادة دول
العالم، وخرق الاتفاق أكثر من مرة، واختلق المبررات الواهية الكاذبة لبرير
خروقاته، وتشريع عدوانه، والتأسيس لاستمرار العمليات العسكرية في ظل الاتفاق،
وتكريس صورة جديدة في غزة تشبه آلية عمله في جنوب لبنان، إذ لم توقف هدنة يوم 27
نوفمبر من العام 2024 عملياته العسكرية العدوانية على لبنان عامةً وحزب الله
خاصةً، إذ نفذ على امتداد الأراضي اللبنانية على مدى عامٍ كاملٍ مئات الخروقات،
وقتل ما يقارب من 400 مواطنٍ لبناني، اغتيالاً مقصوداً وقتلاً عمداً، دون مراعاةٍ
لمدنيين وأطفالٍ ونساءٍ وعامة الناس.
لا تبدو
عمليات جيش العدو الإسرائيلي في قطاع غزة خروقاتٍ للاتفاق، أو ردود فعلٍ على ما
يدعيه بأنها عمليات مقاومة ضد عناصر جيشه، أو أنها عمليات وقائية استباقية مشروعة
للدفاع عن جنوده ومقار جيشه المنتشرة في أنحاء متفرقة من المنطقة الصفراء شرق قطاع
غزة، لإجهاض أي عملياتٍ متوقعة وتحييد منفذيها ومنظميها والمشرفين عليها، بقدر ما
هي استمرار حقيقي للحرب على قطاع غزة، ومواصلة عملية وقحة للعدوان، ومحاولة لتأكيد
تفوق وسيادة جيشه في المنطقة، وإصراره على تنفيذ الأهداف التي أعلن على مدار عامين
من عمر حربه على غزة، والتي تمثلت في استعادة الأسرى بالقوة وقد فشل، وفي نزع سلاح
المقاومة وسيفشل، وفي تهجير الفلسطينيين وقد فشل، وفي فرض نظامٍ حكمٍ تابعٍ له
وعميل وسيفشل.
المجزرة
المروعة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي يوم أمس في غزة وخانيونس، والتي ذهب ضحيتها
35 شهيداً فلسطينياً وعشرات الجرحى الآخرين، ودمرت بقايا البيوت والخيام التي كانت
بالكاد تؤويهم وتحفظهم من برد ومطر الشتاء، لم تكن الأولى ولا الوحيدة التي
يقترفها بحق أهل غزة بعد إعلان الاتفاق حيز التنفيذ، فقد قتل فعلاً خلف الخط
الأصفر، وفي المساحة الضيقة جداً التي يقتطعون منها يومياً أجزاءً جديدة يضيفونها
إلى المنطقة الصفراء، ويطردون من فيها ويحشرونهم مع قرابة مليوني نازحٍ آخر، حتى
اليوم قرابة 350 فلسطينياً، في غاراتٍ وحشيةٍ عامة، وفي استهدافاتٍ مقصودة وعمليات
اغتيالٍ مختارة، ما يعني أن عدوانه ما زال مستمراً، ومنهجه في القتل والإبادة ما
زال ماضياً.
إلا أن
استمرار عدوانه على قطاع غزة، وخروقاته الدائمة للاتفاق، لا يقتصر على الغارات
الجوية والقصف المدفعي بالدبابات والمدافع، بل أخذت خروقاته أشكالاً عديدة تخالف
كلها بنود الاتفاقية وتنتهك شروطها، وتحرج الضامنين لها والشاهدين عليها، وتؤكد أن
حربه على قطاع غزة ما زالت مستمرة، وهي تتواصل بعلم الإدارة الأمريكية التي تراقب
وحدتها العسكرية أداء جيش العدو في غزة، وترصد مخابراتها وأجهزتها الأمنية
والعسكرية كل ما يجري في القطاع، وتتابع أخبار الفلسطينيين والصور التي ينشرونها،
والبيانات التي يقدمونها، والتي تثبت أن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تنتهِ، وأن
عملياتها القتالية لم تتوقف.
تعلم الإدارة
الأمريكية والضامنون أن ادعاءات حكومة الكيان الإسرائيلية باطلة، وأن معلوماتها
كاذبة، فجيشها لا يتعرض لعمليات إطلاق نار، وقواتها المتمركزة في المنطقة الصفراء
والمحتشدة على طول الحدود الشرقية للقطاع لا تتعرض للخطر، ورغم ذلك فإن جيش العدو
يواصل عدوانه بأشكال مختلفة، قصفاً وتدميراً، وقتلاً وترويعاً، وطائراته المسيرة
لا تتوقف عن التحليق فوق مناطق القطاع المختلفة.
وفي الوقت
نفسه يصر على استمرار إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر وعدم فتحه، وعدم السماح
لقوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية وشاحنات الدواء والغذاء والخيام والوقود وغاز
الطهي بالعبور إلى قطاع غزة، فضلاً عن السماح لها بالتوجه شمالاً نحو مدينة غزة
ومخيمات الشاطئ وجباليا، وبلدات جباليا وبيت حانون وأحياء مدينة غزة المختلفة.
ليس هناك أدنى
شك بأن نتنياهو وحكومته لا يريدون وقف حربهم على قطاع غزة، ويرفضون الالتزام ببنود
الاتفاق، ويتحدون العالم كله، ويقفون في وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويتحدون
إدارته، ويتجاهلون الوسطاء الدوليين ويحرجون الدول الضامنة، ولا يملون من اختلاق
الذرائع وخلق المبررات وارتكاب الجرائم والمجازر، ومواصلة حرب الإبادة والتهجير،
ليقنعوا دول العالم كذباً وافتراءً أنهم يدافعون عن أنفسهم، ويحمون جنودهم، الأمر
الذي يفرض على كل الذين اجتمعوا في شرم الشيخ، مضيفين ورعاةً، وضامنين وشهوداً، أن
يبطلوا ادعاءات حكومة العدو ويلزمها بالاتفاق، وأن يضغطوا عليها لاحترام المواثيق
ووقف الحرب والكف عن العدوان.
يتبع ...
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك