الإطار العام لمالية 2026: تناقضات عميقة ومعطيات غير موضوعية وحكومة بلا مصداقية

الإطار العام لمالية 2026: تناقضات عميقة ومعطيات غير موضوعية وحكومة بلا مصداقية
أقلام حرة / الجمعة 25 يوليو 2025 - 20:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم : د.عبدالله بوانو

عقدت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، اجتماعا مشتركا مساء الخميس 24 يوليوز 2025، ترأسه السيد رئيس مجلس النواب، خُصص لعرض حول تنفيذ ميزانية 2025 وتقديم الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2026، وذلك طبقا لأحكام المادة 47 من القانون التنظيمي 130.13 لقانون المالية، ومقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين.

بالنسبة إلينا هذا الموعد مهم للغاية، وسبق لي أن ذكّرت به في إحدى جلسات الأسئلة الشفهية الأخيرة.

ويكتسي هذا الاجتماع أهميته أولا من المرجعيات الدستورية والقانونية المؤطرة له، وثانيا من توالي الأحداث خاصة على المستوى الدولي، وتأثيراتها المحتملة على الاقتصاد الوطني، وثالثا من استمرار حالة الارتباك والاضطراب التي تطبع تعاطي الحكومة مع الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.

لكن دعوني في البداية، أسجل ملاحظتين حول هذا الاجتماع، من حيث الشكل، أولها هو غياب الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، رغم أنه معني مباشرة بموضوع الاجتماع، وخاصة في الشق المتعلق بتنفيذ ميزانية 2025، استنادا لظهير اختصاصاته.

وثاني الملاحظات الشكلية، تتعلق بتساؤل تبادر لأذهان جل الحاضرين وخاصة من البرلمانيين، يتعلق بالحضور على منصة القاعة التي احتضنت الاجتماع، وربما ما منع من طرح نقط نظام في هذا الاتجاه، استنادا لمقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين، هو ما قيل عن صفة مرافق شخصي أو مستشار خاص لوزيرة الاقتصاد والمالية.

وعلى كل حال هذه مجرد ملاحظتين شكليتين، هناك من سيستنتج منها إشارات ورسائل تتجاوز الشكل، ولكل خلفياته ومبرراته، لأن لهذه الحكومة سوابق في خلط الشخصي بالمؤسساتي، والذاتي بالحكومي . 

أما من حيث الموضوع والمضمون، فأسجل أن العرض الذي قدمته وزيرة الاقتصاد والمالية، طبعه تفاؤل كبير، وربما مبالغ فيه، فرغم أن التفاؤل مطلوب من المسؤول السياسي، لكنه والحال على ما هو عليه في العالم وفي بلادنا، يجب أن يكون تفاؤلا حذرا وذلك لعدة اعتبارات، لعل أهمها هو تأثير التحولات الجيوسياسية الجارية، وفي صلبها حرب الإبادة الجماعية في غزة الجائعة الجريحة، وتداعياتها على سلاسل التوريد وعلى انسيابية حركة التجارة والملاحة، ثم تداعيات رفع الولايات المتحدة الأمريكية للرسوم الجمركية الخاصة بتعاملاتها التجارية مع عدة دول وتكتلات، منها المغرب، والاتحاد الاوروبي، الذي يُعتبر الشريك الاقتصادي الأول لبلادنا، وبالتالي فإن أي اختلال في العلاقات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكي والاتحاد الأوروبي، سينعكس حتما على بلادنا، وهو ما لم تظهر أي إشارة بشأنه في عرض وزيرة الاقتصاد والمالية.

أما الاعتبار الأخر الذي يفرض الحذر في التفاؤل، هو أن معظم الفرضيات التي بنت عليها الحكومة الاطار العام لقانون مالية 2026، وغيره من قوانين المالية، مرتبطة بشكل كبير بالتساقطات المطرية، ومكمن الحذر هنا يتعلق بكون المطر في علم الله، نرجوه تعالى أن يمن على بلادنا بموسم أمطار "على قد النفع"، ولكن لا أحد يتحكم في حجم التساقطات المفضية للفرضيات التي تم البناء عليها.

من جهة أخرى، لابد من تسجيل أن المسؤولية الحكومية، تقتضي الكثير من الموضوعية، إزاء الأرقام المقدمة خاصة في الأمور المتعلقة بالمالية، مع احترام باقي مكونات الحقل السياسي، وخاصة المعارضة، واحترام المواطنين، والموضوعية والاحترام، ينطلقان من الوضوح في اعتماد مرجعيات حقيقية وموحدة، تمكن من المقارنة والتقييم الدقيقين، وهذا في صالح البلاد عموما وفي صالح البناء المؤسساتي القائم على التراكم الايجابي، وليس على مرجعيات رخوة وانتقائية، حيث تتم الإحالة على المعطيات والمؤشرات الاقتصادية بطريقة تحايلية، مرة سنة 2019، ومرة سنة 2020 ومرة سنة 2021، التي تسلمت الحكومة المسؤولية في شهريها الأخيرين.

 

لذلك وجب تحديد وتوحيد السنة المرجعية، لجعل الصورة واضحة أمام الفاعلين وعموم المواطنين، ودون كثير من التفاصيل، ندعو لاعتماد الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية الأولى من هذه الولاية التشريعية مرجعا موحدا للمؤشرات الاقتصادية، وندع الحكم في النهاية لصناديق الاقتراع.

وعلى ذكر المؤشرات والفرضيات الاقتصادية، سواء نسبة النمو أو العجز أو المديونية أو المداخيل، أو غيرها، فإن الملاحظ أن طريقة اعتمادها من طرف الحكومة، تطرح أسئلة كثيرة، تتعلق بالصدقية والمصداقية، وباستيعاب السياق السياسي والاقتصادي، والاطار التشريعي كذلك، وهذا من شأنه أن يربك الاقتصاد الوطني، ويهدر على البلاد فرصا كثيرة قد لا تُعوض، فضلا عن كونها قد تضلل المعنيين بالاقتصاد الوطني، وخاصة المستثمرين الأجانب، الذين يكونون في حاجة إلى معطيات وفرضيات معقولة وموضوعية ومبنية على أسس علمية مدروسة، بعد أن يطمئنوا للوضعية السياسية والاجتماعية والأمنية.

وبالمناسبة فإن المغرب، وطيلة 26 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، بات بفضل الله تعالى أولا ثم بفضل الملكية وإمارة المؤمنين واحة للأمن والاستقرار، اللذان يعتبران عامل جذب للاستثمارات، بالاضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز، لكن بكل أسف لم يتم استثمار كل هذه العوامل التي حبانا بها الله عز وجل، بالشكل المطلوب في اتجاه جعل بلادنا قبلة للاستثمارات الأجنبية، ومع أننا نحن المؤهلون أكثر من غيرنا من الدول القريبة منا، فإن أخر المعطيات تفيد بأن بلادنا لم تستقبل سوى 1.6 مليار دولار كاستثمارات اجنبية مباشرة سنة 2024، في سنة عرف فيها الاستثمار الاجنبي تدفقا قياسيا في افريقيا، وهذا يطرح سؤالا عريضا على الحكومة وعلى رئيسها أساسا، حول ما إذا كان استقطاب الاستثمارات الأجنبية مبني على أرضية المصلحة الوطنية، ولصالح رؤية الدولة، أم لصالح أهداف ضيقة تخدم قطاعات محدودة يستثمر فيها مقاولون لهم علاقة برئيس الحكومة مباشرة بناء على تصريحه الغريب في الجلسة الشهرية ليوم 7 يوليوز 2025.

أعود إلى تصور الحكومة وحساباتها بخصوص قانون المالية لسنة 2026، وفق عرض وزيرة الاقتصاد والمالية، لأسجل بعض التناقضات، تتعلق أولاها بالتفاوت الكبير بين الصادرات والواردات، حيث بلغت صادراتنا 198 مليار درهم، بينما بلغت واردات البلاد 331.7 مليار درهم، مما يعني تفاقم عجز الميزان التجاري، ويا ليت ما بتنا نستورده مع هذه الحكومة يغطي خصاصا غير مقدور على توفيره في بلادنا، والواقع أن أغلب ما يتم استيراده هو من مواد التجهيز والمواد الغذائية ومواد الاستهلاك والمواد نصف المصنعة، وهذه كلها مواد يمكن توفيرها داخل بلادنا، في إطار تشجيع "صنع في المغرب"، لكن للحكومة رأي آخر، يعطي الأولوية للاستيراد على حساب السيادة الغذائية والتصنيعية للمغرب.

ويتعلق ثاني التناقضات، باختلال الاستيراد والتصدير في المجال الفلاحي، حيث يصعب فهم أن المغرب يدعم الفلاحة، وفي الوقت ذاته بلغت صادرات القطاع 43.6 مليار درهم إلى غاية ماي 2025، أي بزيادة 22 في المائة، وفي الأن نفسه ما تزال أسعار المواد الغذائية مرتفعة، والطامة الكبرى بأن المغاربة حُرموا من شعيرة الاضحية بسبب تآكل القطيع الوطني للمواشي، فأي استهتار هذا وأي عبث في التدبير؟

أختم هذه التدوينة الطويلة طول صبرنا على حكومة الريع والتطبيع مع الفساد التي تكاد تخنق البلاد، بملف المحروقات، التي بلغت واردات المغرب منها 45.6 مليار درهم (المواد الطاقية)، ودون أن أذكّر بأن انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية لا ينعكس على الأسعار في السوق الوطنية، وبأن الأرباح التي تحققها شركات المحروقات وخاصة شركة رئيس الحكومة، ماتزال فاحشة ومنكرة بشهادة تقارير مجلس المنافسة، فإن معطى أخر وجب أخذه بعين الاعتبار وهو من أين يتم استيراد المحروقات التي تباع في السوق الوطنية، لأن معرفة مصدر الاستيراد كفيل بتحديد قيمة الأرباح الحقيقة، وليست التي كشفها مجلس المنافسة لأنه يعتمد فقط على الفواتير التي تقدمها الشركات، وهذا ما لا يريده رئيس الحكومة بصفته مستثمرا في المحروقات.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك