د.ة:إيمان الرازي..عندما يسقط اليسار في فخ الشعبوية المبتذلة.

د.ة:إيمان الرازي..عندما يسقط اليسار في فخ الشعبوية المبتذلة.
أقلام حرة / الثلاثاء 08 يوليو 2025 - 15:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم: د.ة:إيمان الرازي

أستاذة جامعية :

عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني 12 للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

لم يعد غريباً أن يصدر عن نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، كلام يخلو من الحدّ الأدنى من الرصانة السياسية والمسؤولية التاريخية التي تقتضيها لحظة دقيقة تمر منها البلاد، بل وتستوجب من القوى التقدمية والوطنية وقفة تعقل ومراجعة، لا زلات لسان وهجمات مجانية على قوى حليفة في النضال الديمقراطي. لكن تفوه به بن عبد الله في اجتماع اللجنة المركزية لحزبه، يوم السبت، تجاه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وكاتبه الأول، لا يمكن تصنيفه إلا ضمن قاموس الاستهتار السياسي والانزلاق نحو منطق التهجم المجاني البعيد عن أصول النقد البناء والاختلاف الخلاق بين الحلفاء.

لقد تحول الرجل، للأسف، إلى ناطق باسم الغرائز السياسية الأقرب إلى تصفية حسابات شخصية ضيقة منها إلى تعبير مسؤول عن رأي حزب وطني من المفترض أنه يقتسم مع الاتحاد الاشتراكي حقول النضال التاريخي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

لكن ما يبعث على القلق، ليس فقط مضمون كلام بن عبد الله الذي انزاح إلى مستوى غير مسبوق من التهكم والتسفيه، خاصة في توقيته ودلالاته التي تكشف عن عجز حزبه عن بلورة تموقع سياسي واضح، إذ اختار الهجوم على الاتحاد الاشتراكي لتبرير فشله المزمن في إعادة بناء الذات التنظيمية والفكرية للحزب الشيوعي المغربي سابقاً، والذي تحول تدريجياً إلى ما يشبه تجمعاً مناسباتياً بلا بوصلات ولا خطاب مهيكل، يتأرجح بين التصفيق للحكومات اليمينية والانخراط في معارضات موسمية لا تقنع حتى مناضليه. وفي الوقت الذي ينتظر فيه الرأي العام من قادة الأحزاب التقدمية مبادرات تؤسس لجبهة ديمقراطية عريضة، تنخرط في مواجهة الردة السياسية والاجتماعية، يخرج بن عبد الله ليصب الزيت على نار التفرقة، ويقدّم خدمة مجانية لأعداء الديمقراطية، وأعداء اليسار، من حيث يعتقد أنه يهاجم فقط حزباً معارضاً.

لقد نسي نبيل بن عبد الله، أو تناسى، أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يكن يوماً بحاجة إلى دروس في النضال، لا منه ولا من غيره، فهو الحزب الذي أسّس لمسار الكفاح الديمقراطي في المغرب، وقدم تضحيات جسيمة من شهداء ومنفيين ومعتقلين، بل كان ولا يزال يشكل العمود الفقري للفكرة الاشتراكية في المغرب، بتجذرها الجماهيري وانغراسها في التربة الاجتماعية الوطنية وحضورها الأممي القوي. وإذا كان بن عبد الله يحاول التشكيك في شرعية الخط السياسي الحالي للاتحاد، فإنه إنما يعبّر عن توجس خفي من عودة الحزب إلى واجهة الفعل السياسي بقوة، بعد أن استطاع، بقيادة كاتبه الأول إدريس لشكر، أن يعيد ترتيب صفوفه، ويجدد آلياته، ويخوض معركة الاستحقاقات الانتخابية بجرأة ومصداقية، رافعاً شعار النقد الذاتي والتجديد من الداخل.

فالمفارقة الصارخة أن بن عبد الله، الذي يقف اليوم خطيباً مهاجماً الاتحاد الاشتراكي، لم يقدّم لحزبه أي أفق سياسي يليق بإرث الرفيق علي يعتة، بل ظل أسير تحالفات ضيقة مع البيروقراطيات المتكلسة، لا تتجاوز رهاناتها مقاعد المجالس ومناصب الحكومة. بل أكثر من ذلك، فإن الموقف السياسي لحزبه اتسم بتذبذب كبير خلال المرحلة الأخيرة، حيث لم يحسم بوضوح لا في المعارضة ولا في الموالاة، وكأن الحزب يعيش أزمة هوية حقيقية، تتجلى في عجزه عن إنتاج خطاب سياسي مستقل، فآثر اللجوء إلى منطق التهجم كتعويض نفسي عن عجز تنظيمي وسياسي.

ولعل ما يزيد من خطورة هذا السلوك هو محاولة بن عبد الله الإيحاء بأن الاتحاد الاشتراكي يشكل عقبة في وجه وحدة اليسار، في حين أن الوقائع التاريخية والسياسية تؤكد أن الحزب ظلّ، على امتداد العقود، منفتحاً على التنسيق مع القوى الديمقراطية، ولم يتردد في مدّ اليد لكل من يلتزم بخط النضال المؤسساتي والوطني من موقع الندية والوضوح. أما أن يتحول التنسيق إلى خضوع أو تبعية، فهذا ما لم ولن يقبله حزب وُلد من رحم المقاومة والريف والمنافي، لا من دهاليز الوزارات والمصالح الضيقة.

ومن المؤسف أن يكون الرفيق نبيل بن عبد الله قد اختار هذا الأسلوب في الوقت الذي تتطلب فيه الظرفية السياسية والاجتماعية بالبلاد تكتلاً للقوى الديمقراطية في وجه النزعات السلطوية والاختيارات اللاشعبية التي تعمق الفوارق وتضرب المدرسة العمومية وتفكك الدولة الاجتماعية. إن الطعن في الاتحاد الاشتراكي اليوم، ليس طعناً في حزب سياسي فقط، بل هو تهشيم لإحدى ركائز التوازن السياسي الوطني، وتهديد لمشروع يساري وطني عقلاني قادر على تجديد نفسه من داخل الدولة لا من خارجها.

وعليه، فإن حزب الاتحاد الاشتراكي لا يرى في هذه الخرجات المعزولة سوى تعبير عن ارتباك سياسي وافتقار للبوصلة، ويجدد التأكيد على أن التمايز بين الأحزاب اليسارية ينبغي أن يكون مثمراً وبناءً، لا أن يتحول إلى لقاءات سبّ وشتم مجاني، لأن التناقض الرئيسي اليوم ليس بين مكونات الصف الديمقراطي، بل مع اختيارات اقتصادية واجتماعية تسير عكس تطلعات الشعب المغربي، وهو ما يستدعي الارتقاء بالخطاب السياسي إلى مستوى اللحظة بدل الانحدار به إلى مهاوي التصفيات الشخصية.

الاتحاد الاشتراكي، وهو الحزب الذي مارس النقد الذاتي من أعلى مؤتمراته، لا يخشى النقد ولا يهاب الاختلاف، لكنه يرفض الانحدار إلى أساليب الطعن من الخلف، ويؤمن أن مستقبل اليسار لا يُبنى بخطب المزايدة ولا بادعاءات الطهرانية، بل بالفعل الميداني الجاد والتجذر الاجتماعي الحقيقي. أما الذين تعوّدوا على العيش في هامش الفعل السياسي، فلن يصمدوا طويلاً أمام موجات المحاسبة الجماهيرية، ولن تبرر لهم هجماتهم المجانية غيابهم المتواصل عن معارك الإصلاح الكبرى.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك