بقلم : لينة الحسيني
كنت أتابع أخباره بشغف المحبّة،
وأوثّقها بفخر، كمن تدوّن سيرة قديسٍ في زمنٍ خفتت فيه القيم، وبهتت فيه المواقف.
كتاباتي عنه، هي أكثر ما خطّه قلبي
تفاخرًا، لأنني كنت أكتب عن رجلٍ يشبه اليسار الذي قرأت عنه، اليسار الذي يوقظ
فينا يقينًا خافتًا بأنّ البساطة قوّة، والزهد عظمة، وأنّ السلطة لا تُفسِد
بالضرورة، إذا سكنها ضمير نقيّ.
لم يكن خوسيه موخيكا رئيسًا
تقليديًا، بل كان ضمير الشعوب وصوت كادحيها. عاش بينهم ومات كما عاش، بسيطًا
ونقيًا ونادرًا.
خصّص 90% من راتبه الرئاسي للفقراء،
أولئك الذين لم يتخلَّ عنهم يومًا.
لم تُغرِه قصور الرئاسة، بل فتح
أبوابها للمشرّدين، واختار بيتًا ريفيًا متواضعًا، يرعى فيه الزرع والحيوانات، وعاش
من عرق جبينه، لا من دموع شعبه.
أعلن في عام 2010، أنّ قيمة ما
يملكه من ثروة لا يتجاوز 1800دولار، وأنّ سيارته الزرقاء من طراز "ڤولكس
ڤاغن" العتيقة، توازي قيمة كل ما يملك!
كان محاربًا لا تهمّه الألقاب،
ومناضلاً ضد الاستبداد، وعضوًا بارزًا في حركة "توپاماروس" اليساريّة
المستلهمة من الثورة الكوبية.
دفع ثمن مواقفه غاليًا، إذ تعرّض
لستّ محاولات اغتيال، وقضى أربعة عشر عامًا خلف القضبان، في زنزانات ضيقة، وظروفٍ
قاسية لا تُطاق، لكنّه خرج منها أكثر حريّة من سجّانيه.
وكان من أبرز الأصوات في أميركا
اللاتينية، المدافعة عن استقلالية القرار السياسي، ضدّ التّدخلات الأميركيّة
والغربيّة.
قال في حوارٍ شهيرٍ مع شبكة BBC: ”سنوات السّجن شكّلت رؤيتي للحياة. يلقّبونني بأفقر رئيسٍ في
العالم، لكنني لا أشعر بالفقر. الفقراء هم أولئك الذين يسجنون أنفسهم في دائرة
الثّراء، ويقضون أعمارهم يلهثون خلف ما لا يملكون.“
وأضاف، كمن يلقي وصيّته:
”الحريّة الحقيقية هي في امتلاك القليل، كي لا تمتلكك الأشياء. أن
تحيا بسيطًا، كي تتفرّغ لنفسك، لأحلامك، لأرضك... قد أبدو غريب الأطوار، لكنّني
اخترت طريقي، ومضيت فيه.“
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك