بقلم : سمير بوزيد
تتبوأ قضية المحامي والناشط الحقوقي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية
المغربية لحماية المال العام، مكانة محورية في نقاش عمومي وحقوقي وقانوني يجد فيه
المجتمع المغربي نفسه أمام تحديات كبيرة ترتبط بحرية التعبير، بمكافحة الفساد،
وبضرورة حماية المدافعين عن المال العام في بيئة سياسية وقضائية حساسة.
تتخذ هذه القضية، التي تندرج في إطار اتهامات متعلقة بتفويت غير
قانوني لعقارات بأملاك الدولة، طابعًا أكثر تعقيدًا حين ترتبط بتضارب مصالح سياسية
وقضائية، ما يجعلها نموذجًا صادقًا لتقاطع الحقوق الدستورية وبين حماية المال
العام ومبدأ استقلال القضاء. فإلى جانب الاتهامات القانونية التي تواجه الغلوسي،
يبرز بوضوح حساسية هذه القضية لدى العديد من الفاعلين الحقوقيين الذين يرونها
محاولة لتكميم الأفواه وترهيب المجتمع المدني ومدافعي الشفافية، خصوصًا في ظل
الضغوط التي يتعرضون لها في سياق معركة وطنية ضد الفساد ولفك الإرتباط بين المال
العام ومراكز النفوذ السياسي والاقتصادي
في هذا السياق، تتلاقى مواقف جمعيات المجتمع المدني وهيئات المحاماة
التي تؤكد أن التضييق على أحد أبرز المدافعين عن المال العام يشكل خطرًا جديًا على
حرية التعبير وحق التبليغ عن الفساد، وكلها حقوق دستورية مكفولة في المغرب. بل
إنهم يرون في هذه القضية اختبارًا حقيقيًا لمفهوم استقلال القضاء وموضوعية
المحاكمة في مواجهة التجاذبات السياسية والاجتماعية، مطالبين بمراقبة دقيقة لكل
الإجراءات القضائية التي قد تُسْتغلّ لتقييد دور المجتمع المدني بدلاً من تعزيز
ترتيبات حوكمة رشيدة ومسؤولية واضحة
على المستوى القانوني والأكاديمي، يعتبر الخبراء أن النقاش يجب أن
يرتكز على ضرورة فتح حوار وطني يضمن فصل قاطع بين حماية أصحاب الشكايات والحقوقيين
من جهة، وبين احترام حقوق الدفاع وقرينة البراءة من جهة أخرى. كذلك يطالبون بتطوير
أطر تشريعية واضحة تقوّي دور المجتمع المدني وتقيّد إمكانية توظيف القضاء في تصفية
حسابات أو إضعاف مؤسسات المساءلة، بما يلقى توافقًا مع الالتزامات الدولية التي
صدق عليها المغرب مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وغيرها من المواثيق
الحقوقية
لا يفوتنا الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة
ومحاربتها، التي شاركت في تقييم تأثير مشاريع القوانين الجديدة، حذرت من أنها قد
تحدّ من صلاحيات النيابة العامة، وخاصة في قضايا المال العام، مما يؤدي إلى إضعاف
محاربة الفساد ويخلق أعطالاً مؤسساتية تمس ثقة المواطنين في النجاعة القضائية
والحكامة الرشيدة
في المقابل، هناك ضرورة ملحة للحفاظ على حيادية القضاء واستقلاله،
وتوفير الضمانات القانونية التي تمنع استعماله لأهداف غير موضوعية، في وقت يتطلع
فيه المجتمع المغربي إلى منظومة قضائية تضمن المحاكمة العادلة وتجمع بين حق
التعبير والحق في سمعة ونزاهة الأفراد. وإذ ندعو إلى حماية الناشطين والمدافعين،
فإننا نفسح المجال أيضًا لتبادل وجهات النظر القانونية بصورة شفافة وموضوعية،
بعيدًا عن الاستقطاب الحاد أو الأحكام المسبقة.
إن التضامن مع محمد الغلوسي وكل المدافعين عن الشفافية والمال العام
يمثل دعمًا لحق دستوري في التعبير والتبليغ، وليس تأييدًا أعمىً بأي فرض للرأي أو
التجاوز على القانون، بل رسالة واضحة بأن محاربة الفساد بشجاعة وشفافية أساسية
لبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون، وهو ما يضع على عاتق القضاء مسؤولية مزدوجة
تتطلب المهنية، والحياد، والابتعاد عن تدخلات سياسية أو ضغوطات.
لذا، أدعو الجهات القضائية إلى التعامل مع هذه القضية وفقاً لمبادئ
استقلال القضاء، وحماية حقوق الإنسان، وضمان حق الدفاع، مع توفير بيئة قانونية
تحمي حق المجتمع المدني بالمساهمة الفعالة في محاربة الفساد. فتعزيز هذه المعايير
هو السبيل الوحيد لبناء ثقة المواطنين في مؤسسات العدالة، وضمان استمرارية
الإصلاحات التي تصب في صالح مجتمع مغربي أكثر شفافية وعدلاً.
بهذا التوازن الدقيق بين الحرية والمسؤولية، والحقوق والواجبات،
يمكننا أن نؤكد أن محاكمة الغلوسي ليست مجرد قضية فردية، بل مرآة تعكس التحديات
الكبرى التي تواجه المغرب في سعيه لترسيخ دولة القانون، وتعزيز الشفافية والحكامة
الرشيدة، وضمان حقوق جميع المواطنين في محاربة الفساد بالمصداقية والموضوعية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك