جمعة الطهر والسكينة وترك التجارة مرضاة لله

جمعة الطهر والسكينة وترك التجارة مرضاة لله
دين / الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 10:14 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

أنتلجنسيا المغرب: الرباط

يوم الجمعة ليس كبقية الأيام، بل هو يوم اختصه الله عز وجل بالبركة والفضل العظيم، وجعل فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا إلا أعطاه. قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾، وهذه الآية الكريمة جاءت دعوة ربانية خالدة إلى كل مؤمن أن يطهّر نفسه وجسده، وأن يُقبِل على بيت الله طاهرًا متعطرًا تاركًا الدنيا وراءه، لأن في هذا اليوم ترفع الأعمال وتُوزن القلوب بالإخلاص.

إن نظافة الإنسان يوم الجمعة عبادة بحد ذاتها، فهي من تمام الإيمان وكمال الدين، وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حقٌ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا، يغسل فيه رأسه وجسده». كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الغُسل يوم الجمعة فقال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم». وهذا الغسل ليس مجرد نظافة حسية، بل هو طهارة معنوية تفتح أبواب الرحمة وتجعل الجسد والروح على استعدادٍ للقاء الله في بيته.

وفي النظافة يوم الجمعة معنى روحي عميق، فهي عنوان الوقار أمام الخالق والمخلوق، ومظهرٌ من مظاهر احترام هذا اليوم العظيم. فقد كان السلف الصالح يتزينون ويتطيبون قبل خروجهم إلى صلاة الجمعة، وكان أحدهم يقول: “ما أُحب أن أخرج إلى الجمعة إلا وقد طيبت نفسي ولباسي كأنني ذاهب لملاقاة ملك”. وهذا السلوك يعكس عمق الإيمان الذي يجعل الإنسان يعيش الجمال في طاعته، لا يذهب إلى المسجد بثيابٍ متسخة أو نفسٍ مشغولة بالدنيا، بل بروحٍ نقية تفيض سكينة وطمأنينة.

أما ترك التجارة وقت النداء لصلاة الجمعة، فهو مظهر من مظاهر طاعة الله المطلقة وتقديم أمر الآخرة على الدنيا. وقد بيّن القرآن الكريم أن البيع في تلك الساعة لا بركة فيه، فقال عز وجل: ﴿ذَرُوا الْبَيْعَ﴾، وجاء في تفسيرها أن الله نهى عن البيع وقت النداء لأن فيه انشغالًا عن الذكر وعن الصلاة التي هي روح الجمعة وعمادها. فمن استمر في البيع بعد النداء فكأنما باع دينه بدنياه، وخسر بركة رزقه وإن ظن أنه ربح.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه»، وفي هذا وعيدٌ شديد لمن استهان بحرمة هذا اليوم واشتغل عنه بالتجارة أو اللهو. فكل من قدّم البيع على صلاة الجمعة فقد خسر التجارة الحقيقية مع الله، لأن البيع يوم الجمعة بعد النداء نوع من العصيان، بل شبّهه بعض العلماء بالربا في حرمة المال الناتج عنه، إذ أنه مالٌ مُكتسبٌ بمعصية، والمال الحرام لا بركة فيه.

إن الله سبحانه لم ينه عن التجارة في سائر الأيام، بل جعلها وسيلة للرزق والعيش، لكنه أمر بتركها في وقت الصلاة، لأنها لحظة تجلٍّ وذكر وعبادة. وقد قال تعالى بعد ذلك: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾، فالمولى جل جلاله لم يمنع الكسب، بل نظّمه، ليبقى القلب متوازنًا بين السعي والعبادة، بين العمل والدعاء.

إن البيع بعد النداء لا يُثمر خيرًا، فقد رُوي عن بعض الصحابة أن السوق كانت تُغلق في المدينة بمجرد سماع الأذان، وكانوا يقولون: “الآن نذهب لصفقةٍ مع الله”، وكأنهم يعلنون أن الصفقة الحقيقية ليست في المال ولا الربح، بل في صلاةٍ تُرفع بها الدرجات وتُمحى بها السيئات. تلك كانت روح الإسلام الأولى، روح تقديس الجمعة والابتعاد عن كل ما يشغل عنها.

ويوم الجمعة هو يوم التجديد في حياة المسلم، فيه تُغسل الأبدان وتُطهّر القلوب وتُغفر الذنوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة وتطهر ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام». فما أعظم فضل هذا اليوم الذي يجمع بين الطهارة الجسدية والروحية، وبين النظافة والعبادة، وبين ترك الدنيا والإقبال على الله.

وليس من المروءة أن يُعرض المسلم عن نداء الحق، أو أن يبيع ويشتري بعد أن يُنادى للصلاة، لأن ذلك يعبّر عن ضعف الإيمان وقلة التعظيم لأمر الله. إن من يترك البيع في تلك اللحظة إنما يربح رضوان الله، ورضوان الله خير من كل تجارة، لأن الله تعالى قال: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، فمن توكل عليه كفاه، ومن ترك شيئًا لوجهه عوضه خيرًا منه.

وفي نهاية القول، فإن النظافة يوم الجمعة والتهيؤ للصلاة وترك التجارة وقت النداء ليست مجرد عاداتٍ أو تقاليد، بل هي امتحانٌ للنية واليقين. من أراد البركة في عمره ورزقه وماله فليجعل يوم الجمعة يوم طهرٍ للبدن والروح، ويوم لقاءٍ مع الله خالصٍ من شوائب الدنيا. فطوبى لمن استجاب لنداء ربه، وطهّر نفسه، وترك تجارته طاعةً لله، لأنه بذلك ربح الصفقة الكبرى التي لا تبور، وكتب اسمه في سجل الذين باعوا دنياهم بآخرتهم، ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك