أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
توصلت أنتلجنسيا المغرب ببلاغ صادر عن
العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، جاء فيه أن مناسبة اليوم العالمي للأشخاص
في وضعية إعاقة ليست مجرد محطة رمزية، بل لحظة للكشف عن الفجوة الواسعة بين
التزامات الدولة والواقع المرير الذي يعيشه آلاف المواطنين.
وقال البلاغ إن الشعار الأممي لهذه السنة حول
بناء مجتمعات دامجة يفرض تقييمًا دقيقًا للسياسات العمومية التي ما تزال عاجزة عن
ضمان كرامة هذه الفئة رغم وجود الترسانة القانونية والاتفاقيات الدولية. وتحدث
البلاغ عن أن الخطاب الرسمي يتقدم، بينما الممارسة تظل متعثرة، خصوصًا في
الولوجيات والخدمات الصحية والتعليمية والدعم الأسري.
وبين البلاغ أن ما يُرصد من ميزانيات
وما يُعلن من برامج لا ينعكس فعليًا على حياة الأشخاص في وضعية إعاقة، إذ يواجهون
تعقيدات إدارية تُقصيهم من الدعم، وضعفًا في التنسيق بين المؤسسات، وخصاصًا واضحًا
في مراكز التكفل، إضافة إلى غياب تكوين حقيقي للفاعلين في القطاعات الاجتماعية.
ووضح البلاغ أن الصور النمطية السائدة
داخل المجتمع تزيد من عزل هذه الفئة، وتحرمها من المشاركة الكاملة في الحياة
العامة، في الوقت الذي يفترض فيه أن تتبنى الدولة مقاربة حقوقية تجعلهم شركاء في
رسم السياسات التي تخصهم، لا مجرد مستفيدين من مبادرات ظرفية.
وأكد البلاغ أن احترام كرامة الأشخاص
في وضعية إعاقة لن يتحقق دون إزالة الحواجز القانونية والمادية والثقافية التي
تمنع إدماجهم، ودون اعتماد سياسة وطنية دقيقة تُخصص ميزانيات واضحة وتربط التنفيذ
بالمحاسبة. وشددت العصبة على أن الإعاقة ليست وضعًا طبيًا فقط، بل مسألة حقوقية
تتطلب رؤية شمولية تشمل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والمدينة والعمل. وختم
البلاغ بدعوة الدولة إلى مراجعة المنظومة الوطنية للإعاقة بشكل جذري، وجعل الكرامة
والمساواة أساس كل سياسة عمومية، مع تجديد التزام العصبة بالترافع الدائم لرصد
الانتهاكات وضمان الحق غير القابل للتفاوض في حياة كريمة لكل الأشخاص في وضعية
إعاقة.
نــص البـــلاغ كامــــلا:
العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان
بيان بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة
تستحضر
العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص في وضعية
إعاقة، ما يعيشه آلاف المواطنات والمواطنين من تحديات يومية تكشف المسافة الكبيرة
بين التزامات الدولة وتطلعات المجتمع من جهة، والواقع الفعلي لخدمات الرعاية
والحماية والاندماج من جهة أخرى.
إن
هذه المناسبة، التي اتخدت لها الأمم المتحدة هذه السنة شعار:"بناء مجتمعات تدمج الأشخاص ذوي
الإعاقة و تنهض بمسار التقدم الاجتماعي"، لتعد محطة لتقييم السياسات العمومية
بعيون نقدية، ولتجديد التأكيد على أن كرامة الأشخاص في وضعية إعاقة حق أصيل لا
يقبل التجزئة.
فعلى
الرغم من المصادقة على الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة،
وعلى الرغم من القوانين التنظيمية التي يفترض أن تشكل إطارًا ملزمًا لحماية هذه
الفئة، وبالرغم من المبادرات الحكومية والمجهودات التي تقوم بها خلال السنوات
الأخيرة والتي كان آخرها توقيع اتفاقيات تتعلق بتخفيض يعادل خمسون في المائة
بالنسبة لوسائل النقل المتعلق بهذ الفئة، إلا ان
الواقع يكشف تعثرًا واضحًا في تحويل النصوص إلى ممارسة مستمرة ودائمة ، إذ
ما تزال الفجوة واسعة بين الإعلانات والنتائج؛ فولوج الأشخاص ذوي الإعاقة إلى
الخدمات الأساسية يواجه عقبات متراكمة، من غياب الولوجيات الحضرية، إلى محدودية
التمدرس الدامج، إلى قلة مراكز التكفل المتخصصة، إضافة إلى النقص الكبير في الدعم
الأسري والمجتمعي الذي يمكن أن يضمن حياة كريمة ومستقلة.
وتزداد
الصورة قسوة حين نستحضر أن الموارد المالية المرصودة لبرامج الإعاقة تظل دون مستوى
الانتظارات، وأن المساطر الإدارية المعقدة تحرم آلاف الأسر من الوصول إلى الدعم،
وأن غياب التنسيق بين القطاعات يجعل الحلول مجزأة وناقصة. كما يعرقل ضعف التكوين
المستمر داخل المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية قدرة الموظفين على تقديم
خدمات ملائمة لهذه الفئة.
أما
على مستوى الوعي المجتمعي، فإن الصور النمطية ما تزال تخلق جدارًا نفسيًا يحول دون
المشاركة الفعلية للأشخاص في وضعية إعاقة في الحياة العامة.
وإدراكًا
لكون الإعاقة مسألة حقوقية في جوهرها، وليس مجرد شأن اجتماعي أو خيري، تذكّر
العصبة بأن المغرب ملتزم دوليًا بمبادئ المساواة وعدم التمييز، وبضمان تكافؤ
الفرص، وبالانتقال إلى نموذج مجتمعي يضع الأشخاص في وضعية إعاقة في صلب السياسات
العمومية، لا في هامشها. ومن هذا المنطلق، فإن العصبة تشدد على ضرورة اعتماد
مقاربة قائمة على حقوق الإنسان، تجعل من التشاور مع الجمعيات والهيئات الممثلة
لهذه الفئة ركيزة لصياغة أي سياسة تخصهم، باعتبارهم شركاء لا مستفيدين فقط. كما
تدعو إلى تعزيز دور هيئات الحكامة والمراقبة لضمان احترام الالتزامات الدستورية
والدولية، وإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في كل ما يتعلق بتنفيذ البرامج
المرتبطة بالإعاقة، لضمان الشفافية وقياس الأثر الفعلي على حياة المواطنين.
ان العصبة ترى أن هذه الوضعية، تجعلنا نتساءل حول
مدى قدرة الحكومة على ضمان حقوق هذه الفئة باعتبارها جزءًا أساسيًا من نسيج
المجتمع، وليس مجرد موضوع لسياسات ظرفية. فالإعاقة هي حالة طبية، لكنها ايضاً، وضع
اجتماعي يستدعي مقاربة شمولية تدمج التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والاقتصاد
والمدينة والفضاء العام. ومن دون هذه النظرة المندمجة سيظل الحديث عن الإدماج مجرد
خطاب بلا أثر.
إن
العصبة تؤكد أن احترام كرامة الأشخاص في وضعية إعاقة يبدأ بإزالة الحواجز التي
تحول دون مشاركتهم في الحياة العامة، والحياة السياسية والحزبية على الخصوص، سواء
كانت حواجز مادية أو قانونية أو ثقافية. كما تدعو إلى اعتماد سياسة وطنية تعتمد
تحديدًا دقيقًا للاحتياجات، وتخصص ميزانيات حقيقية، وتربط النتائج بالمحاسبة، لأن
كل إخفاق في هذا المجال ينعكس مباشرة على حياة أسر تعاني في صمت، وعلى مواطنين
محرومين من أبسط مقومات المساواة.
كما
تشدد العصبة على ضرورة تعميم الولوجيات في المؤسسات والمرافق، وتوسيع التعليم
الدامج، وضمان تكوين حقيقي للمدرسين، وتوفير خدمات صحية ونفسية متخصصة، وإحداث
فضاءات عمل محمية تتيح لهذه الفئة المشاركة الاقتصادية بدل الاقتصار على مقاربة
الإحسان، وتطوير نظام للدعم المباشر يراعي كلفة الإعاقة الفعلية، ويصل إلى
المستفيدين دون عراقيل بيروقراطية.
وفي
هذا اليوم العالمي، تدعو العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى إعادة النظر
في المنظومة الوطنية المتعلقة بالإعاقة بوصفها إحدى أولويات حقوق الإنسان في
المغرب، وإلى جعل الكرامة والمساواة والإنصاف أساس كل سياسة عمومية. فالدولة التي
تحترم نفسها هي التي تحمي مواطنيها في لحظات هشاشتهم، وتتيح لهم الإمكانات الكاملة
للمشاركة الفعلية في المجتمع، بعيدًا عن الخطب الاحتفالية وعن الوعود غير المنجزة.
وتجدد العصبة التزامها بالاستمرار في
رصد كل الانتهاكات التي تمس حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والترافع من أجل تحسين
أوضاعهم، والدفاع عن حقهم غير القابل للتفاوض في حياة كريمة، مستقلة، ومنصفة، تعكس
الدور الذي يستحقونه في بناء مجتمع عادل ومتضامن.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك