زيارة القبور يوم الجمعة عبادة تربط الدنيا بالآخرة وتمنح الأحياء والأموات سكينة وطمأنينة

زيارة القبور يوم الجمعة عبادة تربط الدنيا بالآخرة وتمنح الأحياء والأموات سكينة وطمأنينة
دين / الجمعة 31 أكتوبر 2025 - 08:51 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

أنتلجنسيا المغرب: هيئة التحرير

زيارة القبور ليست مجرد عادة متوارثة، بل هي عبادة عميقة الجذور في الوجدان الإيماني للمسلم، تذكّر الإنسان بفناء الدنيا وتوقظ فيه الشعور بالمسؤولية أمام الخالق، وتبعث الطمأنينة في القلوب المشتاقة لأحبتها الذين سبقوها إلى دار الحق. ففي كل خطوة يخطوها الزائر نحو المقبرة، يشعر وكأنه يعبر بوابة بين عالمين؛ عالم الأحياء المليء بالضجيج، وعالم الأموات الذي تسكنه السكينة الأبدية، فيتأمل في مصيره ويستعيد صلته الروحية بأهله الراحلين.

ويوم الجمعة بالذات يحمل سرًا روحانيًا عظيمًا، فهو يوم مبارك تتضاعف فيه الحسنات، وتُستجاب فيه الدعوات، ويزداد فيه الأجر لمن قصد القبور للترحم وقراءة القرآن. إذ تشير الأحاديث والآثار إلى أن الميت يستأنس بزيارة أهله له، ويشعر بالأنس حين يسمع دعاءهم ويتلقى صدقاتهم، فكأن أرواحهم تنتعش بلحظة الدعاء وتستضيء بأنوار الرحمة.

الترحم على الأموات وقراءة القرآن فوق قبورهم ليست طقوسًا شكلية، بل هي صلة حقيقية بين الماضي والحاضر، بين من عاشوا وتركوا أثرهم، ومن لا يزالون يسيرون على خطاهم. حين يقف الزائر عند القبر، يضع يده على شاهده ويتمتم بآيات الرحمة، كأنه يقول: لم ننسكم، ما زلتم في القلوب كما في الدعاء، وما تزال أعمالكم الطيبة حية فينا.

القرآن الكريم حين يُتلى عند القبور، يتحول إلى نورٍ يتنزل على الأرواح، يواسيها ويزيدها رفعة في مقاماتها. فالآية الواحدة قد تفتح للميت بابًا من الرحمة، والسورة الواحدة قد تكون له جُنّة من العذاب. ومن الجميل أن يدرك الزائر أن قراءة الفاتحة أو يس أو الملك ليست تلاوة عابرة، بل هدية ثمينة تصل مباشرة إلى أرواح من نحب، فيشعر الزائر بلذة العطاء الروحي الذي لا ينقطع.

الأحياء حين يزورون قبور ذويهم، لا يكتفون بالدعاء لهم، بل يجدون هم أنفسهم طمأنينة وسلامًا داخليًا، إذ يتذكرون أن لكل حي نهاية، وأن لقاءهم بالموتى ليس وداعًا أبديًا بل محطة فاصلة في طريق العودة إلى الله. هذه اللحظات من التأمل تمنح الإنسان توازنًا عميقًا، وتجعله أرحم بالناس وألين قلبًا وأقرب إلى الصدق والإخلاص في عمله.

أما الأموات، فإنهم في عالم البرزخ يتنعمون بثمار دعاء أحبتهم، يسمعون السلام، ويستأنسون بقراءة القرآن على مقابرهم، كأن هذه الزيارات تفتح لهم نوافذ على الدنيا تبعث الدفء في أرواحهم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الدعاء يصل إلى الميت فيفرح به كما يفرح الحي بالهدايا.

ومن أعظم صور البرّ بالوالدين بعد وفاتهما أن يزورهما الأبناء، يقرأوا لهما ما تيسر من القرآن، ويتصدقوا عنهما. فالولد الصالح هو امتداد حياة والديه، وسيرته الحسنة في الناس هي الصدقة الجارية التي ترفع مقامهم في كل حين. وهكذا يظل الأجر متصلًا ما دام العمل الصالح مستمرًا والدعاء متجددًا.

كما أن الصدقات الجارية تظل جسرًا مضيئًا بين الأحياء والأموات، فكل مسجد بُني، وكل يتيم كُفل، وكل محتاج سُدّت حاجته بنية شخص راحل، يتحول إلى رصيد أبدِي من النور في صحيفة عمله. ومن أجمل ما يمكن للإنسان أن يتركه خلفه هو أثرٌ طيب يظل ينفع الناس، ويكتب له به الأجر وهو في قبره.

زيارة القبور يوم الجمعة تذكّرنا بحقيقة الزمن ودوام الرحمة، فهي لا تحيي فقط ذكرى الأموات، بل توقظ الإيمان في القلوب وتعيد ترتيب أولويات الحياة. ومن يعتاد زيارة القبور لا يهاب الموت، لأنه يرى فيه انتقالًا لا نهاية، وراحة لا فناء، ورحمة تمتد من الأرض إلى السماء.

وهكذا تظل هذه الزيارة الطيبة رابطًا مقدسًا بين العوالم، تجمع بين حب الأحياء ورحمة الأموات، وتؤكد أن الإنسان، مهما رحل، لا يُمحى من الوجود ما دام هناك من يقرأ له الفاتحة ويدعو له بالرحمة. فهي سنةٌ تُبقي على الدفء الإنساني في وجه برد الغياب، وتربط الأرواح بعضها ببعض في دائرة لا تنقطع من الدعاء والنور والحنين.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك