أتركوا البيع والتجارة وهرعوا إلى الله يوم الجمعة ساعة صلاة الظهر

أتركوا البيع والتجارة وهرعوا إلى الله يوم الجمعة ساعة صلاة الظهر
دين / الجمعة 07 نوفمبر 2025 - 10:00 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

أنتلجنسيا المغرب: الرباط

يوم الجمعة ليس كغيره من الأيام، فهو عيد أسبوعي جعله الله للمسلمين ليجتمعوا فيه على الذكر والطاعة، وليتركوا فيه مشاغل الدنيا وتجارتها، ويتفرغوا لنداء الحق الذي يدعوهم إلى بيوت الله. قال تعالى في كتابه العزيز: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، فالأمر الإلهي واضح وصريح، إذ يدعو المؤمنين إلى المسارعة إلى الصلاة وترك البيع والتجارة ساعة النداء لصلاة الجمعة.

هذه الساعة المباركة ليست مجرد وقت للعبادة فحسب، بل هي لحظة يختبر فيها الله صدق الإيمان، فكم من تاجر ترك دكانه وأغلق بابه ليقف بين يدي الله خاشعًا، فبارك الله له في رزقه، ووسع له في تجارته. وفي المقابل، كم من غافل آثر الدنيا على الآخرة، فحُرم البركة وضاقت عليه معيشته، لأن الله تعالى وعد أن من يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة". فاجتمع في هذا اليوم فضل الخلق والعبادة والذكر والدعاء، ولذلك وجب تعظيمه وصيانته عن الانشغال بما يشغل عن الله وذكره.

ومن الأحاديث التي تؤكد على عظمة هذا اليوم ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة..." إلى أن قال: "فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر". فكيف يُعقل بعد هذا البيان أن يبقى المسلم منشغلًا بالبيع والشراء وقت النداء؟

البيع والتجارة في أصلها مباحة بل مشروعة، وهي باب من أبواب الرزق، لكن حين يُرفع الأذان الثاني للجمعة تصبح كل معاملة دنيوية متوقفة، لأن الأمر الإلهي جاء بلفظ الأمر الصريح "وذروا البيع"، أي اتركوه فورًا بلا تأخير. إنها لحظة توقير وتعظيم، لأن الله يغار على عباده أن ينشغلوا بالدنيا وقت دعوته إلى لقائه.

ومن مقاصد هذا الحكم العظيم أن يصفو قلب المسلم من هموم السوق، وأن يتفرغ فكره لخطبة الجمعة وما تحمله من مواعظ وهدي، ليخرج منها بروح جديدة وإيمان متجدد. فالجمعة ليست مجرد صلاة جماعية، بل هي مدرسة تربوية يتعلم فيها المؤمن كيف يوازن بين دنياه وآخرته.

كما أن الله وعد المؤمنين بعد الصلاة بالعودة إلى السعي والرزق، فقال في تتمة الآية: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". فالله لم يمنع التجارة مطلقًا، بل نظمها وحدد وقتها، ليبقى الإيمان فوق المال، والعبادة قبل المعاملة.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه". وفي هذا تحذير شديد من الغفلة عن الجمعة أو التهاون فيها، لأن تركها دليل ضعف في الإيمان وقسوة في القلب، فمن لم يستجب لنداء الله فبماذا يعتذر؟ أبتجارة زائلة أم بصفقة مؤقتة؟ والله خير الرازقين.

ويُروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يترك كل ما في يده إذا سمع النداء لصلاة الجمعة، فيغلق متجره ويقول: “أجيب نداء الله قبل أن أجيب نداء الناس”، وهذا هو الإيمان العملي الذي ينبغي أن يكون عليه كل مسلم غيور على دينه.

إن التاجر الحقيقي هو من عرف أن ربح الآخرة أعظم من ربح الدنيا، وأن صفقة الصلاة لا يخسر صاحبها أبدًا. فهنيئًا لمن لبّى نداء الجمعة، وهرع إلى بيوت الله خاشعًا مطمئنًا، وترك وراءه الدنيا وأهواءها، لأن الله تعالى قال في وعد صادق لا يخلف: "ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك