أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/إيطاليا
كان يا ما كان
في قديم الزمان، في إحدى المدن الكبرى، ملك عظيم ذو هيبة وسلطان، في يده دائمًا
ثلاث قصبات، تختلف الواحدة عن الأخرى.
كانت القصبة
الأولى غير منجورة بشكل كامل، حيث كانت غلافها لا يزال مغلقًا تمامًا "ما
مَنْجُوراش".
أما القصبة الثانية فكانت نصفها منجورًا والنصف الآخر بقي غير
منجور "مَنْجُورَة غير النّص".
بينما كانت القصبة الثالثة منجورة عن بكرة أبيها، حتى أصبحت
جاهزة للاستخدام "مَنْجُورَة كاملة".
وذات صباح، قرر الملك أن يستدعي رئيس ديوانه، ويسأله عن سر هذه
القصبات الثلاثة، ظل رئيس ديوان الملك يتفحص القصبات بعناية ودقة، لكنه لم يفلح في
حل اللغز.
فأرسل الملك
إلى وزير الدولة لعلّه يجد الجواب، فحاول الوزير أن يمعن النظر في القصبات الثلاث
جيدًا، لكنه أيضًا فشل في إيجاد الحل هو الآخر، أمر الملك أن يُستدعى مستشاره الخاص،
وكان مستشارًا حكيمًا وذكيًا، لكنه أيضًا لم يتمكن من فك لغز هذه القصبات الثلاثة.
شعر الملك بالغبطة والسعادة أن لا أحد يفك لغزه المحير، وأعلن
أنه سوف يعرض اللغز على الشعب في محاولة لفكّ هذه الطلاسم، كلف منادي القصر بأن
يخرج في السوق ليبحث عن من يمكنه حل اللغز، وأعلن أن من يعرف الجواب سوف يحصل على
جائزة كبرى من الملك.
احتشد الناس في السوق الكبير حول المنادي، حاولوا جاهدين معرفة
سر القصبات الثلاث، لكن لا أحد منهم استطاع الإجابة فجأة، ظهر رجل مسن طاعن في
السن، معروف بين أهل المدينة بحكمته، كان قد جاب العديد من الأماكن وخاض الكثير من
السفريات وعاش تجارب الحياة حلوها ومرها، اقترب الرجل من القوم، وتعرف على سر
القصبات، وعاد إلى بيته القريب من السوق واصطحب ابنته معه، وقال لها: "أخبري
منادي القصر أنك تعرفين حل لغز القصبات، ولكن لا تُفصحي عنه إلا بين يدي الملك".
خافت الفتاة في البداية من العواقب التي تطال من يخادع الملك،
إلا أن أباها شجعها وقال لها: "لا تخافي، أنا معك"، ودخلت الفتاة وسط الناس وقالت: "إني أعرف الإجابة"،
طلب منها المنادي أن تفصح عن الحل، ولكنها قالت: "لن أتكلم إلا أمام
الملك"، فلم يعيروها أي اهتمام وذهبت إلى البيت رفقة أبيها.
عاد المنادي
إلى الملك وسأله: "ألم يتعرف على حل اللغز أحد؟".
فرد: "لا
يا مولاي"، تعالت ضحكات الملك بتفوقه على ذكاء الشعب، لكن تذكر المنادي
الفتاة، فقال للملك: يا مولاي "فتاة واحدة قالت إنها تعرف الحل ولكن أبت
الحديث إلا أمامك يا مولاي"، غضب الملك عندما سمع ذلك، وأمر بإحضار الفتاة فورًا.
خرج المنادي
برفقة جنود الملك، وفتش الجنود المدينة بيتًا بيتًا حتى عثروا عليها، وطلبوا منها
أن تصحبهم إلى قصر الملك ليلًا، لكن والدها رفض وقال: "لن تخرج بنتي ليلًا من
البيت مهما كان"، عزَّت الرجل منعته أن تخرج ابنته ليلًا، وقال ماذا يقول
الجيران عنها سوف ينسجون الأقاويل والحكايات لا.
وقال الرجل: "في الصباح سوف نأتي إلى الملك
من أنفسنا" .
وفي صباح
اليوم التالي، اشترى الرجل أجل فستان لابنته، ولم يكن معه المال الكافي، وترك سيفه
وقوسه رهينة عند تاجر الملابس إلى أن يكمل له باقي الدين، حتى تظهر ابنته بحلة
جميلة تليق بمقام القصور، تجهزت الفتاة على أكمل وجه بلباس الفستان الذي قدمه
والدها لها من عند بائع الملابس، وبينما كانوا في الطريق إلى القصر أسرَّ الوالد
لابنته بسر القصبات الثلاث.
وعندما دخلت الفتاة القصر مع والدها، سألها
الملك بنبرة مستفزة وقاسية: "هل تعرفين حل لغز القصبات؟" ، أجابت الفتاة بكل ثقة: "نعم، يا مولاي"، ثم قالت:
القصبة الأولى
الغير منجورة وبغلافها كامل، هي تمثل الرجل الذي ما زال في بداية طريقه في الحياة،
لا يعرف تمامًا ما له وما عليه "ما جَالْ ما عَرَفْ بِحَقِّ الرِّجَالْ" .
القصبة الثانية نصفها منجور والنصف الآخر غير منجور، تمثل الرجل
الذي بدأ يتعلم ويعرف بعض واجباته، ولكنه لا يزال في مرحلة النضوج "رجل جَالْ
وْمَا عَرَفْشْ بِحَقِّ الرِّجَال " .
أما القصبة الثالثة المنجورة تمامًا، فهي تمثل الرجل الذي نضج
وأدرك تمامًا تضاريس وشعاب وعقبات الحياة وأيضًا واجباته في الحياة، "رْجَلٌ
جَالْ وَعَرَفْ بِحَقِّ الرِّجَال" .
تعجب الملك من ذكاء الفتاة وحكمتها، وأعطاها جائزة كبيرة، ثم
طلب يدها للزواج في الحين منبهرًا بفطنتها، وجمالها الأخاذ، ووافق والدها على الفور،
وتم زواج الفتاة من الملك.
مرت الأيام،
وذات يوم كان رجلان في الطريق رفيقان في رحلة حل الظلام عليهما وناما جنب صور
القصر، أحدهما كان يمتلك حمارة والآخر كان يمتلك ناقة، في الصباح استيقظ صاحب
الحمارة أولًا، ووجد الحمارة والناقة جنبهما صغارًا، وقام بتبديل وليدة الحمارة مع
وليد الناقة وعاد وتظاهر بالنوم.
وبعد لحظات،
استيقظ صاحب الناقة، ووجد جنب ناقته حجشًا، وجنب الحمارة صغير بعير، تظاهر صاحب
الحمارة أنه استيقظ متأخرًا، وتظاهر بالفرح العارم أن حمارته أنجبت بعيرًا، بينما
الناقة أنجبت حجشًا.
وقع خصام حامٍ
بين المخادع وصاحب الناقة، حدثت مشادة بين الرجلين، حيث ادعى صاحب الحمارة أن
حمارته من أنجب بعيرًا، اتجه الرجلان إلى قصر الملك ليفصل بينهما ولحل النزاع، لكن
الملك كان في حيرة من أمره ولم يعرف كيف يحكم في هذه القضية الغريبة التي وقعت
أمامه لأول مرة، وطردهما.
وفي تلك
اللحظة، كانت زوجة الملك تراقب الوضع من نافذة القصر، فبإشارة منها نصحت الرجل
الذي كان يمتلك الناقة أن يعود إلى الملك ويخبره أن "ناقته أنجبت جحشا"
ولا يعترض على قرار الملك، بينما عنده مسألة يريد حلًّا لها، وهي أن يقول للملك:
"زرعت الشعير جنب البحر وخرج الحوت وأكله".
فقال صاحب الناقة : "يَا امْرَأَة،
تُرِيدِين قَطْعَ رَأْسِي؟ . واشْ الْحُوتْ يَاكُلْ الشّعِيرْ؟"، فردت: زوجة
الملك "واشْ الْحْمَارَة تُولَدْ الْبَعِيرْ؟" .
ففهم الرجل
بسرعة هذه الإشارة وأعاد القضية للملك قائلًا: سلمت بحكمك العادل يا مولاي، ولكن
عندي مسألة إستعصت علي، وهي أني في رحلتي هاته زرعت شعيرا جنب البحر وخرج الحوت
وأكله، فرد الملك غاضبا تستهزئ بي " واش الحوت كياكل الشعير وقال الرجل واش
الحمارة تلد البعير" .
فهم الملك سر الإشارة وعاقب صاحب الحمارة على
محاولته خداعه، وأعاد كل شيء إلى نصابه، حيث رجع الحجش إلى أمه، والبعير إلى
والدته.
من حكايات ثراتنا
الشعبي . تختلف طريقة الحكي فقط .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك