 
								
								
								
								أنتلجنسيا المغرب: حمان ميقاتي/م.كندا
في سيناريو أقرب إلى أفلام الجاسوسية،
كشفت تقارير إعلامية غربية تفاصيل خطة أميركية جريئة كانت تستهدف إسقاط الرئيس
الفنزويلي نيكولاس مادورو وجلبه إلى العدالة في واشنطن، عبر عملية معقدة تقوم على
استمالة طياره الشخصي ورشوته لتحويل مسار الطائرة الرئاسية نحو قاعدة عسكرية
أميركية. هذه القصة، التي انفجرت كقنبلة سياسية، لم تأتِ من تسريبات عابرة، بل من
وثائق ومحادثات ورسائل نصية اطلعت عليها وكالتا “أسوشيتد برس” و“تايمز”، تكشف حجم
المغامرة التي كانت واشنطن مستعدة لخوضها لإسقاط خصمها اللدود في كاراكاس.
بدأت خيوط العملية في أبريل من العام
الماضي حين تلقت السفارة الأميركية في جمهورية الدومينيكان معلومات تفيد بوجود
طائرتين رئاسيتين فنزويليتين في مطار لا إيسابيلا لإجراء صيانة. تلك اللحظة كانت
نقطة التحول في المخطط، إذ سارع الجندي الأميركي السابق إدوين لوبيز، العامل في
السفارة ضمن فريق مكافحة الجريمة العابرة للحدود، إلى اقتراح فكرة جريئة على
رؤسائه: استغلال وجود الطيارين الفنزويليين في الأراضي الدومينيكية لمحاولة إقناع
أحدهم بتنفيذ الانقلاب الجوي. وبعد أيام، حصل على الضوء الأخضر للتنفيذ، متسلحًا
بوعود بالثراء والشهرة لمن يقبل العرض.
الطيار المستهدف كان العقيد بيتنر
فيليغاس، أحد المقربين من مادورو وعضو الحرس الرئاسي الشرفي. داخل قاعة الانتظار
في المطار، جلس لوبيز إلى جانبه، وبعد حديث مقتضب كشف له عن هويته الحقيقية،
عارضًا عليه صفقة "القرن": أن يصبح بطلاً قوميًا مقابل تسليم الرئيس
للولايات المتحدة. الخطة كانت واضحة؛ بمجرد أن يصعد مادورو إلى الطائرة، يحوّل
الطيار وجهتها نحو بورتو ريكو أو قاعدة غوانتانامو. لكن فيليغاس، رغم الصدمة، لم
يساوم على ولائه، فرفض العرض بأدب، واكتفى بإعطاء رقم هاتفه للمسؤول الأميركي، الذي
لم يفقد الأمل وواصل محاولاته لاحقًا عبر رسائل متكررة.
في الأسابيع التالية، تحوّلت
المراسلات بين الرجلين إلى لعبة استخباراتية خطيرة. لوبيز لم يتوقف عن الإغراءات،
بينما ظل الطيار على موقفه الحازم. وفي يوليو، بعد تقاعد العميل الأميركي رسميًا،
واصل الضغط من خارج منصبه، وكأنه ينفذ مهمة شخصية أكثر منها حكومية. لكن الصبر
الفنزويلي نفد حين رد فيليغاس عليه بعبارة مؤثرة: "نحن الفنزويليون صُنعنا من
معدن مختلف، والخيانة لا تسكن قلوبنا"، ثم حظره إلى الأبد. إلا أن الرد
الأميركي جاء في شكل تهديد مبطن، إذ تلقى الطيار رسالة في عيد ميلاده تتضمن صورته
أثناء لقائه الأول بلوبيز، بعد حذف وجه الأخير منها، في إشارة إلى أن المخابرات
الأميركية ما زالت تتابعه.
بعد أسابيع، انتشرت شائعات عن اختفائه
واعتقاله، لكن ظهوره مجددًا في برنامج تلفزيوني رسمي برفقة وزير الداخلية ديوسدادو
كابييو وضع حدًا لكل التكهنات. كابييو قدّمه للعالم بوصفه “ضابطًا وطنيًا لا
يُشترى”، مؤكداً أن الحادثة برهنت على أن الجيش الفنزويلي لا يمكن اختراقه ولا
إخضاعه بالمال. ومع ذلك، بقيت تداعيات المؤامرة تتفاعل سياسيًا وإعلاميًا، خصوصًا
وأنها تزامنت مع حشود بحرية أميركية ضخمة في منطقة الكاريبي هي الأكبر منذ الحرب
الباردة.
الولايات المتحدة، التي تعرض مكافأة
مالية ضخمة تصل إلى خمسين مليون دولار مقابل معلومات تقود إلى اعتقال مادورو، تبرر
خطواتها باعتبار الرئيس الفنزويلي متورطًا في شبكات تهريب المخدرات وتمويل
الإرهاب. غير أن مادورو يرى في تلك الاتهامات مجرد ذريعة لتبرير محاولات إسقاط
نظامه بطرق ملتوية. أما الشارع الفنزويلي، فاستقبل الخبر بمزيج من السخرية والغضب،
معتبرًا أن واشنطن فقدت صبرها أمام فشل العقوبات والحصار، فلجأت إلى حيلة من أفلام
التجسس القديمة.
القضية اليوم لم تعد مجرد حادث
استخباراتي عابر، بل تحوّلت إلى فصل جديد من الصراع المفتوح بين كاراكاس وواشنطن،
صراع تتداخل فيه الجغرافيا بالسياسة، والولاء بالمال، والسماء بالمؤامرات. وما
يزيد المشهد درامية أن تفاصيل العملية لم تُنكرها الجهات الأميركية بشكل قاطع، بل
اكتفت بالصمت، في إشارة إلى أن بعض الظلال لا تُكشف بالكامل. وبين مؤيد ومعارض،
تبقى قصة الطيار الذي قال "لا" في وجه أكبر قوة في العالم، شهادة على أن
بعض المبادئ لا تُباع، حتى وإن كان الثمن حياة كاملة من الأمان والثراء.
 
 
 
         
                         
                                     
                                     
                                    
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك