حكومة الدولة لا حكومة الصناديق وكيف صُنعت ولاية "أخنوش" خارج منطق التنافس الديمقراطي؟

حكومة الدولة لا حكومة الصناديق وكيف صُنعت ولاية "أخنوش" خارج منطق التنافس الديمقراطي؟
ديكريبتاج / الأحد 14 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

منذ لحظة تنصيبها، لم تُقدَّم حكومة عزيز أخنوش كتحالف سياسي نابع من توازنات انتخابية طبيعية، بل كصيغة جاهزة لإدارة مرحلة محددة من طرف الدولة.

فالخطاب الرسمي حاول إلباسها ثوب “حكومة الكفاءات والاستثمار”، غير أن الممارسة السياسية سرعان ما كشفت أنها أقرب إلى حكومة تنفيذية للدولة العميقة، منها إلى سلطة نابعة من الإرادة الشعبية أو البرامج الحزبية.

انتخابات بلا تنافس حقيقي

الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي أفرزت هذه الحكومة جرت في مناخ افتقر إلى الحد الأدنى من التوازن.

فتفكيك الأحزاب المنافسة بدأ قبل موعد الاقتراع بسنوات، عبر إنهاكها سياسياً، وتضييق غير معلن على قياداتها، وتضخيم أخطائها إعلامياً، مقابل تلميع ممنهج لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي تحوّل فجأة إلى القوة “المنقذة” في خطاب مؤسساتي وإعلامي متطابق.

دور الإدارة والمال والنفوذ

ساهمت أدوات الدولة العميقة بشكل مباشر في تثبيت حزب أخنوش في الصدارة، ولعبت الإدارة الترابية دوراً حاسماً في توجيه الخريطة الانتخابية محلياً.

بينما فُتح المجال واسعاً أمام المال الانتخابي، واستُعمل النفوذ الاقتصادي لرئيس الحكومة في استمالة الأعيان، وضمان ولاءات انتخابية جاهزة، حيث لم تكن المنافسة بين مشاريع سياسية، بل بين ماكينة دولة وأحزاب تُركت بلا وقود.

إعلام موجَّه ومعارضة مُفرَّغة

الإعلام العمومي وشبه العمومي لعب دوراً مركزياً في تهيئة الرأي العام، عبر تقديم أخنوش كخيار عقلاني وحتمي، مقابل تصوير خصومه كخطر على الاستقرار أو كقوى فاشلة.

في المقابل، جرى تفريغ المعارضة داخل البرلمان من مضمونها، إما عبر الترويض، أو عبر تحويلها إلى معارضة شكلية بلا أدوات ضغط حقيقية.

حكومة بلا كلفة سياسية

من أخطر ما يميز حكومة أخنوش،أنها حكومة بلا كلفة سياسية، ففشلها الاجتماعي والاقتصادي لم يُترجم إلى مساءلة حقيقية.

فارتفاع  الأسعار، وتدهور القدرة الشرائية، واتساع الفوارق الاجتماعية، كلها وقائع لم تهز موقعها، لأنها محمية بسقف الدولة لا بسند شعبي.

هنا يتجلى الفرق بين حكومة تُحاسَب لأنها منتخبة، وحكومة تُحمى لأنها “ضرورية” في حسابات السلطة.

الدولة العميقة وحماية الاختيار

الدولة العميقة، بما تمثله من شبكات نفوذ إداري واقتصادي ومالي، لم تكتفِ بدعم أخنوش للوصول إلى رئاسة الحكومة، بل واصلت تأمين استمراريته عبر تعطيل أي دينامية سياسية مضادة.

فالاحتجاجات الاجتماعية جرى احتواؤها، والنقاش العمومي تم تفريغه، فيما رُبط الاستقرار ببقاء الحكومة، وكأن أي بديل يشكل تهديداً للدولة نفسها.

سياسة بلا سياسة

في المحصلة، تمثل حكومة عزيز أخنوش نموذجاً لحكومة أُخرجت من منطق السياسة إلى منطق التدبير السلطوي.

فلا برنامج يُناقش، ولا اختيارات تُحاسب، ولا أفق ديمقراطي واضح...إنها حكومة الدولة بامتياز، حيث تُدار البلاد بعقلية “الاستمرارية” لا التغيير، و”التحكم” لا التنافس، في مشهد يعكس أزمة سياسية عميقة تتجاوز الأشخاص إلى بنية الحكم نفسها.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك