
أنتلجنسيا المغرب:هيئة التحرير
جاء الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربع الملك محمد السادس على العرش، متجاوزاً لغة التقييم والاحتفاء، ليحمل في عمقه نَفَساً سياسياً وتوجيهياً واضحاً يرسم ملامح مرحلة جديدة، يُراد لها أن تتجاوز منطق "مغرب البنيات" نحو "مغرب الإنسان".
فما أبرز مداخل هذا التحول؟ وما دلالات لحظته السياسية والاجتماعية؟
التحول نحو عدالة مجالية شاملة: لا مكان لمغرب بسرعتين
ربما كان أكثر ما شدد عليه الخطاب هو ضرورة تجاوز الفوارق المجالية والاجتماعية، والانخراط في مقاربة جديدة لا تكتفي بتنمية البنيات، بل تضع الإنسان في قلب السياسات العمومية. فالملك تحدث بلغة صريحة حين قال: "لا مكان اليوم ولا غداً لمغرب يسير بسرعتين". وهي عبارة تختصر رؤية شمولية لمغرب يتسع للجميع، وتُحمِّل الفاعلين مسؤولية تدارك مناطق الظل.
من التنمية الاجتماعية إلى التنمية المجالية المندمجة
في خطابٍ يدعو للخروج من المقاربات التقليدية، توجه الملك إلى الحكومة من أجل إطلاق "جيل جديد من برامج التنمية الترابية"، ترتكز على الجهوية المتقدمة، والمقاربة التكاملية بين الجهات. لم يعد المطلوب مجرد ضخ الميزانيات، بل تنسيق السياسات وتثمين الخصوصيات المحلية، والانتقال من المركز إلى المحيط بذكاء تنموي.
الاقتصاد المغربي في لحظة مفصلية: بين الصعود والتحديات
رغم الأزمات الدولية المتتالية، أبرز الخطاب الأداء القوي للاقتصاد المغربي، خاصة في القطاعات الصناعية الواعدة: السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة. ومع إشادة واضحة بالاختيارات الماكرو-اقتصادية، جاء التحذير الضمني من أن هذه الدينامية تبقى منقوصة إن لم تُترجم إلى تحسين ملموس في حياة المواطن.
البعد الاجتماعي في صميم الرؤية الملكية
كان لافتاً أن الخطاب استحضر نتائج الإحصاء العام للسكان 2024، في توجيه السياسات الاجتماعية. وتوقف مطولاً عند مؤشرات التراجع في الفقر متعدد الأبعاد، وتجاوز المغرب عتبة "الدول ذات التنمية البشرية العالية"، دون أن يخفي استمرار التفاوتات، خصوصاً في العالم القروي.
مقدمة انتخابية مبكرة: التأكيد على الشفافية واحترام الآجال
في خطوة استباقية، أعلن الملك ضرورة احترام الأجندة الدستورية للانتخابات التشريعية المقبلة، موجهاً وزير الداخلية لفتح باب المشاورات السياسية. هذه الإشارة تحمل أكثر من رسالة: أولها الالتزام بالمسار الديمقراطي، وثانيها التلميح إلى نهاية "المنطقة الرمادية" التي غالباً ما تطبع المراحل السابقة للانتخابات.
رسالة للجزائر: اليد لا تزال ممدودة
لم يغب البُعد الإقليمي عن الخطاب، حيث جدد الملك التأكيد على رغبته في الحوار مع الجزائر، بلغة صريحة وواضحة. "الشعب الجزائري شعب شقيق"، و"التزامنا باليد الممدودة نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا"، هي عبارات لا تترك مجالاً للتأويل، وتدفع الكرة مجدداً إلى ملعب الطرف الآخر.
قضية الصحراء: تثبيت دولي لمبادرة الحكم الذاتي
الخطاب لم يغفل الملف المحوري للسياسة الخارجية المغربية: الصحراء. وتوقف عند الدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، خصوصاً من طرف المملكة المتحدة والبرتغال، ما يعزز تموقع المغرب على الساحة الدولية في هذا الملف، دون أن يُغلق الباب أمام "حل توافقي" يحفظ ماء وجه الجميع.
من خطاب الاحتفال إلى خطاب الإصلاح
الخطاب الملكي هذه السنة، لم يكن احتفالياً بقدر ما كان توجيهياً. لقد حمل تقييمات صريحة، ووجه رسائل متعددة للداخل والخارج، ووضع التحديات المقبلة في صلب النقاش العمومي. إنه دعوة صريحة للقطع مع منطق الترقيع، والانخراط في مرحلة عنوانها: العدالة المجالية والتنمية بالإنسان ومن أجله.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك