
بقلم : نادية عسوي
الوالدان هما الحكاية التي تبدأ بها كل الأرواح، وهما الأصل الذي لا تنفصل عنه الأغصان مهما ابتعدت. إنهما المرآة الأولى التي يرى فيها الطفل معنى الرحمة، والظلّان الوفيّان اللذان يرافقانه منذ اللحظة التي يفتح فيها عينيه على العالم.
لا أحد يعرف ما يعانيه الأبوان في صمت. الأم تحمل جسداً متعباً وقلباً ممتلئاً بالعطاء، تعمل في بيتها ساعات لا تُحصى، ثم تخرج إلى الحياة لتكمل دورها في الكدّ والسعي، كأنها شمعة تضيء في بيتها وتضيء خارجه. أما الأب، فيغادر كل صباح مثقلاً بهمومه ليعود وقد غطّى تعبَه بابتسامة، يخفي خلفها خوفه على أبنائه، ورغبته في أن يراهم أكبر من كل وجع وأقوى من كل خيبة. كلاهما يحترق بصمت ليمنح أبناءه الدفء.
في حياة الأبناء، يظل الوالدان الجذور التي ترويهم وإن ظنّوا أنهم استغنوا. قد يكبر الطفل ويصير رجلاً أو امرأة، يرحل بعيداً ليبني بيتاً آخر، لكن صوته الداخلي حين ينهزم يعود إلى كلمة قالها أب، أو إلى حضن قدّمته أم. إنهما الأمن الروحي الذي لا يعوّض، والذاكرة التي تبقى حيّة حتى بعد رحيلهما.
وحين يشيب الرأس وتضعف الأجساد، يتبدّل الدور ويبدأ امتحان الوفاء. تلك الأيادي التي كانت ثابتة ترتجف، وتلك الأصوات التي كانت آمرة حازمة تبهت وتلين. هنا يعرف الابن هل تعلّم معنى البرّ حقاً، وهنا تدرك الابنة إن كانت قد حفظت درس الوفاء. أن تعتني بوالديك في شيخوختهما ليس ردّاً للجميل، بل هو استمرار للرحمة، ووفاء لعمر كامل من العطاء الذي لا يُرد بثمن.
الوالدان ليسا مجرد ماضٍ يطوى مع السنين، بل هما الحاضر الذي يسكن القلب والروح حتى وإن غاب الجسد. من برّهما وجد في قلبه سكينة لا يشوبها قلق، ومن عقّهما عاش ناقصاً مهما نال من دنيا. إن برّ الوالدين ليس مجرد واجب ديني، بل هو تجربة إنسانية عميقة، أن ترى في وجه أمك وأبيك انعكاساً لرحمة الله على الأرض، وأن تدرك أن الجنة ليست بعيدة، فهي تبدأ من عند قدمي أمك ومن بين يدي أبيك.
نصيحتي لكل الأبناء: لا تقهروا والديكم بالمعصية ولا تُثقلوا قلوبهم بالمشاكل، فالوالدان لا يريدان منكم سوى راحة البال. دمعة أم أو تنهيدة أب قد تكون أثقل في ميزانكم من جبال من الحسنات، فرفقًا بهما، وكونوا عونًا لهما كما كانا سندًا لكم.
ونصيحتي لكل
والد ووالدة: كونوا لأبنائكم نورًا ورحمة، ازرعوا فيهم المحبة والرفق، واغمروهم
بالقدوة الحسنة والدعاء الصالح، فإنكم ستجدونهم عند الكبر حصنًا لكم، يردّون
الجميل وفاءً وحنانًا، كما كنتم لهم يوم كانوا صغارًا ضعفاء.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك