أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
لم أتعلم في مدرسة عصرية، ولا حفظت
مقاطع "راب"، ولا أعرف شيئا عن "الهيب هوب" في عصري، بل كل ما
أعرفه أنني نشأت في بيئة تحترم الجلباب والسروال البلدي "ومحزم بالسمطة"،
بيئة تُعلي من شأن الشرف والغيرة والحياء، وتعتبر البنت أمانة في أعناق أهل
الدوار، وأن الرجل لا يقاس بكثرة حركاته على المنصة بل بثبات مواقفه في المحن.
لكن اليوم، في مغرب ما بعد الموضة،
صار الرقص والتمايل مرادفًا للتحضر في المدرسة العمومية..، والسكوت عنه نوعًا من
"الانغلاق"، حتى لو كان ذلك على حساب ما تبقى من القيم والتربية...
نعم، دارت الأرض، وتبدلت الدنيا، ولم
يعد الجوع عدوا، بل صار الجوع مدخلا للتطويع.
تفقير ممنهج، جعلنا نقبل كل شيء، حتى
صرنا نبيع مبادئنا مقابل "حفنة دقيق" أو "طنّ حليب"، بينما
خيرات البلاد تفرّ إلى الخارج، ومعها تُفرغ المدارس والعقول من محتواها الحقيقي،
المدرسة التي كانت يومًا تصنع رجالا، باتت تصنع "راقصين"، ليسوا فنّانين
ملتزمين، بل أدوات في مسرح هجين، عنوانه الأكبر "كولشي غادي يلوز
مستقبلا" .
لا أخجل أن أقول: "أنا غير هبيل،
وقديم مصدي، خدوني على قد عقلي"، لكن جنوني هذا أهون من الجنون الجماعي الذي
يفرض علينا اليوم "التلواز والهيب هوب" في المؤسسات التعليمية، ويطلب
منا التصفيق له.
أحاول التصفيق عدة مرات، لكن يدي تصاب
بالشلل ولا تريد التصفيق لهذا المنكر.
ماذا أفعل ؟؟.
نحن لم نرفض يومًا التراث الشعبي، لم
نستنكر "الهيت" ولا "الرويضة والشطيح"، ولم نكفر بالأهازيج
الأمازيغية أو العيطة الحسانية، فكلها من رحم ثقافتنا الشعبية المغربية ولا ننبدها
ونعيبها البث.
لكن ما يُراد فرضه اليوم لا علاقة له
لا بالتراث ولا بالحداثة، بل هو استلاب مقنع وتدمير ناعم لقيمنا ونخوتنا ورجولتنا
"الحرشة الخشنة" .
المثير في كل هذا، أن المراسلة التي
أشعلت هذا الجدل، والتي يُقال إنها صادرة عن مسؤول بوزارة التربية الوطنية، لم
تُؤكد بعد بشكل رسمي، لكن مجرد تداولها بين الناس واحتدام النقاش حولها، يفضح حجم
الغضب الكامن في نفوس المغاربة.
فهل يُعقل أن تتحول المدرسة إلى ساحة
رقص وتمارين "الهيب هوب والبريكينغ"، في وقت تغرق فيه الفصول في
الاكتظاظ، "وكاين 40 و50 طفل" في بعض الأقسام، ويُحرم فيها التلاميذ من
أبسط شروط التعلم؟
نحن لا نحاكم النيات، ولا نكفر بالفن
وثراتنا وثقافتنا، بل نسأل ببساطة، ما الذي يُحضّر لهذا البلد؟
وهل من مصلحة الوطن أن يتحول قسم
الرياضيات إلى ورشة "هيب هوب زالتلواز"؟
أخاف بعض وصلات "التلواز"
أن يأتي، ت...ز
قبل أن نثور بجوارحنا وأقلامنا، ننتظر
من الوزارة توضيحًا شافيًا حول صحة هذه الوثيقة، ليس لأننا نشك في أنفسنا، بل
لأننا نخشى أن نصدق أن الدولة فعلا قررت أن تُرقّص أبناءنا وبناتنا بهذا الشكل بدل
أن تُعلّمهم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك