
بقلم : دة. إيمان الرازي
أستاذة جامعية وفاعلة سياسية ونقابية.
من يستهدف الملكية في المغرب، يهاجم
روح الأمة وجوهر كيانها الوطني والتاريخي، فهي التجسيد الفعلي لوحدة التراب
المغربي، وركن من أركان السيادة الوطنية، وسور يحمي الأمة من التمزق والانقسام،
وكل الذين يهاجمونها من الخارج، سواء بوعي أو بجهل، إنما يعيدون إنتاج نفس المخطط
الاستعماري الكولونيالي الذي سعى الفرنسيون والآخرون من خلاله: كسر الرابط الجامع
بين الملك والشعب، لتفتيت الوطن أولا وتسهيل السيطرة عليه فيما بعد. ويكفي أن
نستحضر ما سجله إدغار فور في مذكراته عن مفاوضات ايكس ليبان، وما رواه الراحل سي
امحمد بوستة في شهادته كذلك، حين أكدا أن فرنسا الاستعمارية كانت مستعدة لمنح
المغرب استقلالا شكليا صوريا بشرط التخلي عن حكم محمد الخامس، حينذاك كان المستعمر
يعلم علم اليقين أن المغرب بلا ملكية سيكون جسدا بلا روح، ووطنا بلا روابط أو أسس
تاريخيّة ضاربة، لكن بفضل رفض الوطنيين الأحرار وصمودهم البطولي وتصديهم للمخطط
الجهنمي ونابوا باسم الشعب، واعتبروا أن الاستقلال لا ولن يكون إلا بعودة الملك
إلى سدة الحكم. من هنا، فإن كل خطاب اليوم يهاجم الملكية ليس سوى إعادة بعث لمشروع
استعماري بائس في ثوب جديد، يخدم أجندات خارجية معادية للوطن.
إن شرعية الملكية المغربية حقيقة راسخة
في التاريخ والفقه والسياسة، فعندما توجه المغرب إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي
سنة 1975 لإثبات حقوقه المشروعة في الصحراء المغربية، لم يكن يحمل سوى وثيقة
البيعة التي تربط قبائل الصحراء بالعرش العلوي، وأن هذه البيعة، التي تعود إلى
قرون خلت، كانت الدليل القانوني والسياسي الذي اعترفت به المحكمة الدولية، حين
أكدت أن الصحراء لم تكن أرضا خلاء كما ادعى خصوم الوحدة الترابية، لكنها كانت
ترتبط بروابط قانونية وسياسية مع السلاطين الذين تعاقبوا على حكم المغرب، فبهذا
المعطى القاطع، سقطت أكاذيب الخصوم، وتعرت دعايتهم المظللة أمام العالم، وكانت هذه
الحقيقة وحدها كافية لفضح كل الخونة والعملاء الذين يروجون اليوم لخطاب الانفصال
أو يهاجمون المؤسسة الملكية التي هي الضامن الأول لوحدة التراب الوطني، وأنها ليست
عائقا أمام الديمقراطية كما يزعمون، لأنها ببساطة تجسيد للشرط التاريخي والسياسي
لاستمرار الدولة المغربية، وهي الصخرة التي تتحطم عليها كل مشاريع التفتيت
والتقسيم.
ويكفي أن نعود إلى الخطاب التاريخي
للملك الراحل الحسن الثاني يوم 6 نوفمبر 1975، حين قال بالحرف : "إننا لا
نريد حربا، وإنما نريد السلام، ولهذا قررنا أن نسير مسيرة سلمية خضراء إلى
الصحراء، ولنحمل للعالم كتاب الله ولنجعل شعارنا: الله، الوطن، الملك." هذا
الخطاب الذي عبر عن ترجمة فعلية لوحدة الأمة والتفافها حول ملكها، وإرادة جماعية
لشعب لا يقهر قرر أن يكتب تاريخه بيده وبسلميته، لهذا شكلت المسيرة الخضراء أعظم
برهان على أن الملكية ليست فوق الشعب ولا ضده، بل معه وإليه، تحرك الملايين بروح
جماعية واحدة، وهذا ما يخشاه خصوم الداخل والخارج: وحدة الملك والشعب، لأنها تُسقط
كل رهاناتهم الكاذبة على زرع الشقاق وأوهامهم الغبية عن الانقسام.
أما من يرفعون اليوم شعار الديمقراطية
في وجه الملكية، فليعلموا أنهم يغالطون أنفسهم قبل أن يغلطوا الغير، فأي ديمقراطية
هذه التي تقوم على تمويل أجنبي وتحريض ضد وحدة الوطن؟ وأي حرية هذه التي تجعل من
التشكيك في السيادة الوطنية مشروعا سياسيا؟. ولنستحضر هنا تأكيد جلالة الملك محمد
السادس على كل ذلك في خطابه يوم 20 غشت 2009 الذي قال فيه: "إن المغرب لن
يكون أبدا مطية لأعدائه، ولن يكون مجالا للمساومة على وحدته الترابية، فالصحراء
مغربية وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها." فهذا الخطاب تعبير عن
ميثاق وطني يجسد الإجماع الشعبي والسياسي حول وحدة التراب والملكية كحامي لها، وأن
كل من يضع نفسه في موقع الهجوم على هذه الثوابت إنما يضع نفسه في خندق الأعداء،
حتى لو ادعى زيفا الدفاع عن الحرية أو الديمقراطية.
إن بعض الأصوات النشاز التي تهاجم
الملكية اليوم تحاول تصويرها كعائق أمام التحديث أو كرمز للتسلط، بينما الحقيقة
تفيد أن المغرب بملكيته استطاع أن يمر بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية قاهرة
دون أن يسقط في الفوضى أو الحروب الأهلية كما وقع في بلدان قريبة جدا منا، هذه
الاستمرارية ليست منة من أحد، لكنها في الجوهر
ثمرة ارتباط وجداني وتاريخي بين الشعب وملكه، وهي ما يجعل المغرب استثناء
حقيقيا في المنطقة، فلولا هذه الاستمرارية، لكان المغرب اليوم أشلاء ممزقة بين
الاثنيات والإيديولوجيات المتباينة ككل الأقطار التي لا تجمع شطاياها وحدة جامعة
مانعة، ولذلك فإن كل من يهاجم الملكية يجهل – أو يتجاهل عمدا – أن سقوطها يعني
سقوط الوطن برمته.
ومن هنا، فإن الرد على هؤلاء يجب أن
يكون صارما وحاسما، لأنهم لا يختلفون عن أولئك الذين وقفوا بالأمس ضد عودة محمد
الخامس من المنفى، وأن التاريخ يعيد نفسه: نفس الخطاب المسموم، ونفس الخيانة المتسترة
خلف شعارات براقة، ونفس الارتباط المخزي بالخارج، لكن كما فشل الاستعمار في القضاء
على الملكية بفضل صمود الشعب، سيفشل هؤلاء أيضا لأن الشعب المغربي أثبت أنه لا
يساوم على ثوابته، وأنه يعتبر المس بالملكية مسا بهويته وكيانه وكرامته.
خلاصة القول أن الملكية المغربية قدر
تاريخي وهوية وطنية ضاربة في عمق الانتماء المغربي، وهي ضامنة وحدة الوطن
واستمرارية الدولة، وأن كل من يهاجمها إنما يهاجم دماء شهداء التحرير وذاكرة الوطن
وروح الشعب، لذلك نقولها بوضوح ودون مواربة: من يهاجم الملكية هو خائن، ومن يشكك
في وحدة التراب الوطني هو عميل للخارج، ومن يتآمر على المؤسسات هو أداة في يد
الاستعمار الجديد، المغرب ملكية وشعبا وأرضا، ومن يظن أنه قادر على إسقاط هذا
الثالوث فهو واهم، لقد كانت صخرة الملكية المغربية وستظل تتحطم عندها كل مؤامرات
الخيانة والانقسام.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك