بقلم : عبدالمولى المروري
زميلي..
تجمعني معك قواسم مشتركة غريبة
جدا.. كما تفرق بيننا قضايا عميقة جدا .. والتي لن أذكرها هنا لأنها بلا قيمة..
فأما القواسم الغريبة التي تجمعنا
فهي
- أننا معا خريجا فوج 2010 للمحاماة، وأدينا اليمين في الفترة نفسها..
- أننا تمرنا في مكتب المحاماة ذاته، خرجت منه أنا ودخلت إليه أنت من
بعدي..
- أننا جمعنا ملف توفيق بوعشرين، كنت أنوب فيه عن هذا الأخير، وكنت
تنوب فيه عن إحدى المصرحات التي لم تحدد طبيعتها في الملف هل هي «ضحية» !
أم شاهدة؟
أم لا هذا ولا ذاك؟
هذه بعض الأمور المشتركة التي لا
تحمل أي قيمة في مسار التحولات والمواقف التي تميز إنسانا عن إنسان آخر.. أحببت
إثارتها كنوع من سخرية القدر الذي يجمع أحيانا بعض المفارقات والتناقضات بغير
إرادة أصحابها..
وأذكر ذات مرة في بمقر هيئة
المحامين بزنقة "أفغانستان" بحي المحيط سألك أحد الزملاء، بدافع الفضول،
بعد أن أثاره اسمك، عن دينك!!
قائلا هل أنت يهودي؟
لا أخفيك أن سؤاله ذاك أغضبني كثيرا
حتى كدت أنفجر عليه، هذا الغضب الذي انهزم أمام سرعة هروبك من الجواب الذي كنت
أنتظره بالفضول نفسه، ولكن ليس بقلة الأدب ذاتها، مادام السؤال خرج إلى العلن..
والذي إلى حدود اللحظة لا أملك جوابا عن سؤال ذلك الزميل!!
وإن كنت أرجح أنك تدين بالإسلام..
أعقب هذه الحادثة خبر انتشر في وسائل
الإعلام مع صورة شخصية لك أن «يهوديا» طلب العضوية بحزب العدالة والتنمية!!
وهذا اليهودي يحمل اسم إسحاق شارية!!
لحظتها تجاوز غضبي مستوى الغضب الذي
انتابني لحظة سؤال زميلنا عن دينك!!
والسبب ليس في الدين في حد ذاته، بل
في إخفاءك لدينك، وكأننا نعيش فترة محاكم التفتيش!! علما أنك لم تنف ما تناقلته
وسائل الإعلام عن دينك اليهودي!!
ما أغضبني ساعتها هو إخفاءك لدينك
دون مبرر!
فكيف يثق الحزب في شخص يخفي عن
الجميع دينه الحقيقي، وما هو سبب إخفاءه ذاك؟
وكان هذا هو سبب اعتراضي على عضويتك
في حزب العدالة والتنمية الذي لا تمنع قوانينه عضوية أصحاب أديان أخرى، مسيحية
كانت أو يهودية..
طبعا لم تأخذ عضوية الحزب بعد ذلك،
فحط بك الرحال في حزب النقيب "محمد زيان"، الحزب المغربي الحر، وأصبحت
في لمح البصر رئيسا لشبيبة حزبه.. ثم لتصبح عضوا بمكتبه السياسي.. مسار سياسي
يتحرك بسرعة الضوء..
صدقني، كل ما ذكرت أعلاه ليس هو
موضوع الرسالة.. المقدمة طويلة جدا في طول محنة "النقيب زيان"، والموضوع
أسفله قصير جدا قصر أعمار سعادتنا التي تتبخر مع كل لحظة خذلان أو نكران للجميل..
موضوع رسالتي هو الوفاء..
نعم الوفاء الذي أصبح عملة نادرة في
زمن الجشع السياسي، الوفاء الذي أضحى كزائر غريب غير مرحب به فيه في أسواق النخاسة
السياسية..لأنه يذكر مرتاديه بقيم نبيلة تَحُول دون مآربهم وأطماعهم..
أحدثك عن الوفاء، تلك القيمة التي
غدت مجهرية في عالم الديناصورات التي لا تعيش إلا على افتراس الطيب والنبيل
والمخلص والصادق، أما الضعيف فذلك مجرد سلم للتسلق، ومطية للوصول..
وتدور الأيام، ويُبتلى منا من يبتلي
بسبب آراءه ومواقفه ودفاعه عن الحق.. في لحظات كان هذا الحق عبارة عن جمرة حارقة،
نمسك بها كرها حتى لا يطفئها أعداء الحقيقة والعدالة.. كانت دموعنا تنهمر دون
استئذان لتفضح لحظات ضعفنا بسبب غياب النصير والمعين.. وكنا نلتف حول النقيب "محمد
زيان" لنستمد من القوة والعنفوان.. هل تذكر ذلك؟؟
كان الابتلاء الذي أصاب النقيب زيان
غريبا في كل تفاصيله.. من لائحة الاتهامات التي تجاوزت الخمسة عشر، إلا إغلاق
مكتبه والاستيلاء عليه، إلى توقيفه من المهنة… إلى محاكماته والتشهير به، وهو
الشيخ العجوز..
نعم كانت تلك ابتلاءات غريبة..
ولكنها تظل مقبولة في إطار الصراع بين الحق والباطل.. بين العدل والظلم..
النقيب "محمد زيان" الذي
فتح لك مكتبه، وفتح لك حزبه.. والأهم من ذلك كله.. فتح لك قلبه على مصراعيه، فلم
نعد نذكر النقيب إلا وبجانب اسمه اسم شاب طموح اسمه «إسحاق»..وكنا نستغرب لمشاعر
الأبوة التي يغدقها عليك بسخاء عجيب..
نعم لقد فتح لك قلبه، إلا أنك كنت
على عجلة من أمرك.. ففي حمأة الصراع الذي فرض على النقيب، وتحت وابل حملات
التشهير، ووطأة الاعتقال والحصار.. وبدافع الشهوة السياسية، وربما بإيعاز من جهة
ما!
أغرتك بشيء ما! فعلت فِعلتك التي
فعلت، وغرست خنجر الغدر بعد أن مزجته بسم الخيانة في قلب النقيب المفتوح لك..
عندما كان أسيرا بين جدران الظلم، دون أن يقوى على فعل شيء.. لقد هدَّه الغدر قبل
أن يهده المرض وكبر السن..
مشهد تشيب له الولدان، وتذوب بسببه
القلوب.. نقاوم دموعنا حتى لا تُظهر ضعفنا، وألمنا، وحيرتنا، ولوعتنا وحرقتنا..
لما يصيب النقيب من محن شتى.. في وقت يسعى البعض إلى التغني بأغاني الشماتة
والتندر لحال ومآل النقيب وكل سجناء الرأي..
وها أنت تطلب له العفو!!!
بعد ماذا؟
هل هي صحوة ضمير؟
هل هي حالة من التأنيب الذاتي بعد
أن واجهتك حملات التضامن الواسعة التي حفت النقيب، وخففت عنه جزءا من ألم الخذلان؟
هل استفاق الوفاء في قلبك فجأة وحرك
فيك شيئا من الإنسانية التي دفعتك إلى طلب العفو؟
أم إن هناك أسباب أخرى لا نعلمها؟
الوفاء..
آه على الوفاء..
قيمة نبيلة.. لكنه ضريبة باهضة..
ورغم ذلك يبقى شعورا رائعا عند من تتذوقت روحه طعمه الرفيع.. لذته لا تقاوم رغم ما
يحمله هذا الوفاء من عناء شديد..
عناء بطعم الوفاء، خير من راحة بطعم
الخيانة..
اللهم ازرقنا الوفاء.. وزين أرواحنا
بالوفاء.. وأطعم قلوبنا بالوفاء.. وبيض وجوهنا بالوفاء.. وامسح دموعنا بالوفاء..
واشرح صدورنا بالوفاء.. وقيد لنا وللنقيب زيان من يقدر الوفاء، ويعاملنا بالوفاء..
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك