بقلم : نادية عسوي
من يقرأ تقرير "المركز المغربي للمواطنة" الصادر في ماي 2025، لا يفاجأ فقط بالأرقام الصادمة حول سلوك المغاربة في الفضاء العام، بل يصطدم بمرآة تعكس حجم المفارقة بين ما نطمح إليه كمجتمع، وما نمارسه فعليًا في حياتنا اليومية. نحن أمام حالة جماعية من التناقض المستمر، حيث يتحول الخطاب الأخلاقي إلى شعارات عامة لا تجد طريقها إلى السلوك، بل وربما تتحول إلى وسيلة لتبرير الاستمرار في الفوضى.
نُطالب بالنظافة ونستنكر مشاهد الأزبال في الشوارع، ثم نرمي النفايات من نوافذ السيارات. نُطالب باحترام الفضاء العام، ثم نحتل الأرصفة والمرافق العمومية بلا حرج. نغضب من الفساد، ونمارسه إن أُتيحت لنا الفرصة. نحلم بمدينة حديثة ونرتاد الحدائق، ثم نكسر كراسيها ونترك خلفنا بقايا الأكل والأكياس البلاستيكية.
نُطالب بإعلام نزيه، ونُغرق منصات التواصل بالإشاعات والكلام الساقط. نُشيد بالشفافية والمساواة، ثم لا نتردد في البحث عن "واسطة" لتسوية ملفاتنا أو لتمرير أبنائنا في مباريات التوظيف. ننتقد "باك صاحبي"، ونتمنى أن يكون لنا "صاحبي" مثله وقت الحاجة.
في كل موسم انتخابي، نصرخ بالتغيير وننتقد الوجوه القديمة، ثم نعيد انتخابها في لحظة ضعف أو مقابل فتات. ننتظر مشاريع تنموية، ونقف عقبة أمام تنفيذها بسلوكياتنا، من التخريب إلى الاستغلال، ومن التهاون إلى الاستحواذ غير المشروع.
نربي أبناءنا على احترام الآخرين، ثم نقدم لهم نموذجًا مختلفًا تمامًا في تصرفاتنا. نطلب منهم الالتزام بالقانون، ونحن أول من يتجاوزه على الطريق، وفي الشارع، وفي المعاملة اليومية مع المؤسسات.
نحب أن نُعامل بكرامة، لكننا لا نعامل الآخرين بالمثل. نطالب بخدمات صحية وتعليمية في المستوى، لكننا لا نحترم العاملين فيها، ولا نلتزم بالمواعيد، ولا نحافظ على المرافق.
نحلم بمغرب جميل، عادل، متوازن، نظيف، لكننا نعيش يوميًا بطريقة تناقض هذا الحلم. كأننا نعتقد أن التغيير يجب أن يبدأ من الآخر، من الدولة، من المسؤولين، من النخبة، من الإعلام، لا من أنفسنا. نُطالب بكل شيء، لكن لا نُعطي شيئًا. ننتظر احترامًا، دون أن نحترم، نريد حقوقًا دون واجبات، ونسعى إلى النجاح دون بذل أو التزام.
ما نعيشه هو أزمة ضمير جماعي، أزمة تربية، أزمة قدوة، أزمة مواطنة. لسنا في حاجة إلى المزيد من الخطب أو الحملات التوعوية إن لم تترجم إلى فعل. نحن في حاجة إلى مراجعة أنفسنا، إلى تعليم أبنائنا أن الانضباط ليس خوفًا من الشرطة، بل احترامًا للنفس. أن النظافة ليست مجهودًا بل وعي. أن الوقوف في الطابور ليس ضعفًا، بل حضارة.
لا يمكن لبلد أن يتقدم بمجتمع يحمل خطابًا
وممارسة في اتجاهين متعاكسين.
لا يمكن أن نحلم بمغرب حديث، ونحن لا زلنا نعيش بسلوكيات تُناقض أدنى مقومات العيش المشترك.
لقد آن الأوان لنكفّ عن لوم "الآخر"، ونبدأ من أنفسنا. التغيير لا يأتي من فوق فقط، بل من الداخل أيضًا. من الشارع، من البيت، من المدرسة، من الطريقة التي نُعامل بها بعضنا البعض في الطابور، في الحافلة، في الشارع، في الحي، في أبسط تفصيلة يومية.
ولعل أول خطوة نحو الإصلاح الحقيقي، أن
نواجه أنفسنا بصدق:
هل نحن فعلاً كما ندّعي؟
وهل نريد فعلًا مغربًا أفضل؟
أم أننا فقط نُجيد الانتقاد، ونخاف من
التغيير حين يكون الثمن هو تغيير أنفسنا؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك