أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
قالت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق
الإنسان، في مراسلة رسمية وُجهت إلى المقرر الأممي الخاص المعني بالاحتجاز
التعسفي، إن ما تعرض له الكاتب والمفكر الجزائري – الفرنسي بوعلام صنصال يُعد
خرقًا خطيرًا لكافة المعايير الدولية المتعلقة بالمحاكمة العادلة، ويمثل صورة
صارخة للاعتقال التعسفي المرتبط بالرأي والتفكير الحر.
وجاء في ذات المراسلة أن صنصال خضع
لمحاكمة سياسية مقنعة بثوب قانوني مشوّه، جرى فيها تغييب الضمانات الأساسية، بداية
من الإخفاء القسري مرورا بحرمانه من حق الدفاع، وصولا إلى إصدار حكم بالسجن ضده
لمجرد ممارسته لحقه في التعبير والتأريخ المستقل.
وبينت المراسلة أن السلطات الجزائرية،
باستعمالها المادة 87 من قانون الإرهاب لمعاقبة مثقف لا يحمل سلاحًا سوى قلمه،
إنما تكشف عن انزلاق خطير نحو مأسسة القمع وتصفية الحسابات السياسية مع كل من يجرؤ
على تحدي السردية الرسمية.
وأكدت العصبة المغربية، في ختام مراسلتها، أن هذا النوع من الممارسات يُقوّض هيبة القانون الدولي، ويضرب مصداقية القضاء، داعية المقرر الأممي إلى التدخل العاجل والضغط على الجزائر للإفراج الفوري عن صنصال، وفتح تحقيق دولي في حيثيات اعتقاله ومحاكمته، باعتبار ما جرى تهديدا مباشرا لحرية التعبير وكرامة الإنسان في المنطقة.
نــص المراسلـــة كامــــلا :
من رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان
إلى السيد المقرر الخاص المعني بالاحتجاز التعسفي
الموضوع: ملتمس عاجل بشأن الاعتقال التعسفي والحكم الجائر الصادر في حق الكاتب الجزائري – الفرنسي السيد بوعلام صنصال
تحية حقوقية
وبعد،
تتشرف العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، باعتبارها منظمة مستقلة غير حكومية، تأسست سنة 1972 وتتمتع بصفة المنفعة العامة، ولها حضور ميداني بفروع جهوية وإقليمية في مختلف ربوع المملكة المغربية، بأن ترفع إلى حضرتكم هذا الملتمس العاجل بخصوص ما نعتبره انتهاكًا خطيرًا وممنهجًا للحق في الحرية والسلامة الجسدية والمعنوية، وخرقًا فاضحًا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، والذي طال الكاتب والمفكر الجزائري – الفرنسي السيد بوعلام صنصال .
وقد تابعت منظمتنا بقلق بالغ كافة تفاصيل القضية، منذ لحظة اعتقال المعني بالأمر في ظروف تتسم بالإخفاء القسري والتعسف، تمّت على يد أجهزة المخابرات الجزائرية دون سند قانوني مشروع، في خرق سافر للدستور الجزائري نفسه وللالتزامات الدولية، للدولة الجزائرية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تنص مواده (لا سيما المادتين 9 و14) على الضمانات الجوهرية للمحاكمة العادلة، وعلى احترام قرينة البراءة والحق في الدفاع.
وتؤكد معطياتنا الميدانية وتقاريرنا الحقوقية، المدعومة بشهادات متقاطعة ومصادر إعلامية دولية (منها صحف فرنسية مرموقة وتصريحات رسمية لوزارة الخارجية الفرنسية، وتقارير لفعاليات حقوقية جزائرية)، أن ما تعرض له السيد صنصال لا يمكن وصفه إلا بكونه اعتقالًا تعسفيًا ذا طابع انتقامي، بسبب مواقفه الفكرية وآرائه الحقوقية بشأن الوضع السياسي والحقوقي في الجزائر، خاصة وأن الحكم الصادر بحقه يفتقر لأي أساس قانوني سليم، ويكتنفه غيابا تاما لمبادئ النزاهة القضائية والاستقلالية.
لقد جسد اختطاف بوعلام صنصال في ال 21 من نونبر 2024، من مطار الجزائر الدولي بمجرد وصوله إليه، وتعريضه للاختفاء القسري إذ لم تستطع عائلته ولا معارفه التعرف على مكان احتجازه الا بعد ضغط دولي، وكذا احتمالية تعرضه للتعذيب، وحرمانه من كافة شروط المحاكمة العادلة، - شكل كل هذا- تطورا خطيرا يعكس تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر، انتهى بإصدار محكمة جزائرية حكمًا بالسجن لمدة خمس
نوات في حق الكاتب والمفكر بوعلام صنصال، بناءً على تهمة فضفاضة ومبهمة تُصنّف تحت مسمى "المساس بوحدة أراضي البلاد"، غير أن التهمة الفعلية التي يُعاقب من أجلها تتجاوز هذه الصياغة القانونية المائعة، إذ تتمثل في ممارسته لحقه المشروع في التفكير والتعبير الحر، في سياق نظام سياسي يُجرّم الكلمة الحرة، ويُحوّل الرأي المستقل إلى تهديد لأركانه المبنية على القوة العسكرية والتحريف الممنهج للتاريخ.
وقد اعتمدت المحكمة الجزائرية في الحكم على المفكر الجزائري، على المادة 87 المضادة للإرهاب، التي تُستخدم لمعاقبة الانحراف عن الخط السياسي الرسمي، وهو استخدامها الرائج بحق أصوات حقوقية و إعلامية ومثقفة، حُبست بسبب انتقادها لتردّي الحريات، أو مخالفتها للتوجه العسكري للجمهورية كما وقع مع السيد صنصال، الذي أكد خلال دفاعه، أن تصريحاته لم تكن سياسية، بل "تاريخية موثقة".
وبالرغم من استنكاره للاتهامات الموجهة إليه، فإن محكمة الدرجة الأولى (27 مارس 2025) فرضت عليه السجن والخضوع لغرامة مالية، أعقبتها محكمة الاستئناف بتثبيت نفس الحكم (1 يوليو 2025)، رغم مطالبات دولية ودبلوماسية وحقوقية بإطلاق سراحه.
إن هذا الحكم لا يمكن فهمه إلا في إطار "حرب الرموز والمعاني" التي تخوضها الجزائر ضد كل صوت يفضح ازدواجية مواقفها في قضايا مصيرية، فبينما يُفتح الباب أمام دعاة الفتنة والشتات والتحريض على الكراهية وز التمييز والتشجيع على ممارسات إرهابية، المموّهين بصفتهم "كإعلاميين أو مؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي"، يُقفل أمام من يكشفون حقيقية تاريخية، بحجة أنهم يزعزعون وحدة الدولة.
وبناءً على ما سبق، ترى العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن هذا الاعتقال الجائر والحكم القمعي الصادر في حق السيد بوعلام صنصال يُصنف – استنادًا إلى المعايير المعتمدة من طرف فريق العمل الأممي المعني بالاعتقال التعسفي – ضمن الاعتقالات التعسفية من الفئتين الثانية والثالثة، التي تحدث دون وجود أساس قانوني كافٍ أو بسبب ممارسة حق من حقوق الإنسان أو في انتهاك للإجراءات القانونية، وذلك للأسباب التالية:
· انعدام أي سند قانوني مشروع يبرر الاعتقال؛
· غياب شروط المحاكمة العادلة، وحرمان الدفاع من أداء مهامه بشكل فعال؛
· وجود نية سياسية انتقامية ومضايقات منهجية بسبب تعبير المعني بالأمر عن رأيه بحرية.
إننا في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إذ نجدد تضامننا المبدئي وغير المشروط مع جميع ضحايا الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري عبر العالم، فإننا نؤكد بأن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صريحًا للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتهديدًا خطيرًا لهيبة القانون الدولي ولقيم العدالة والكرامة الإنسانية، كما تُكرّس سياسة الإفلات من العقاب وتسيء إلى مصداقية القضاء في الدول التي تمارس هذا النوع من الانتهاكات.
وبناء عليه، فإننا نلتمس منكم، ضمن صلاحياتكم واختصاصاتكم، ما يلي:
مخاطبة السلطات الجزائرية بشكل رسمي، للمطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن السيد بوعلام صنصال، وتقديم توضيحات وافية حول ملابسات اعتقاله وظروف محاكمته؛
فتح إجراء خاص بموجب ولايتكم، لمتابعة حالة المعني بالأمر، وجمع كافة المعطيات المتعلقة بانتهاك حقوقه الأساسية؛
إدراج هذه الحالة في تقاريركم الدورية المرفوعة إلى مجلس حقوق الإنسان، لتسليط الضوء على خطورة هذه الانتهاكات القضائية والسياسية؛
اتخاذ ما ترونه مناسبًا من تدابير وإجراءات لضمان حماية حقوق المعني بالأمر، ولردع مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
وفي هذا السياق،
يعبّر المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عن استعداده الكامل
للتعاون مع فريقكم الأممي، وتقديم كل ما يتوفر عليه من وثائق ومعطيات وشهادات
بخصوص هذه القضية، بما يخدم مهامكم النبيلة في حماية كونية وشاملة لحقوق الإنسان.
الرئيس : عادل تشيكيطو
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك