تخفيض أسعار الأدوية بالمغرب يُشعِل مواجهة بين الصيادلة وجمعيات حماية المستهلك

تخفيض أسعار الأدوية بالمغرب يُشعِل مواجهة بين الصيادلة وجمعيات حماية المستهلك
تقارير / الأحد 20 يوليو 2025 - 03:25 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت

في إطار الجهود الرامية لتحسين الولوج إلى العلاج وتقليص الكلفة الصحية على المواطن المغربي، أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، منتصف صيف 2025، عن تخفيض جديد لأسعار عشرات الأدوية والمستلزمات الطبية، بعضها حيوي يُستعمل لعلاج أمراض مزمنة وخطيرة، مثل السرطان، السكري، وارتفاع الضغط الدموي.

القرار الذي لقي ترحيبًا واسعًا من قبل جمعيات حماية المستهلك وعدد من الفاعلين في المجتمع المدني، أثار بالمقابل موجة استياء قوية في صفوف الصيادلة، الذين وصفوا الخطوة بـ"غير المدروسة"، معتبرين أنها ستؤدي إلى تدمير مهنة الصيدلة وتُهدد استمرار آلاف الصيدليات، خاصة في المناطق القروية والهامشية.

تخفيضات متوالية.. والمهنيون يدقّون ناقوس الخطر

بحسب الوزارة، فإن القرار يندرج ضمن سياسة تدريجية لتقنين أسعار الأدوية بدأت منذ 2014، أسفرت عن خفض أثمنة أكثر من 4000 دواء حتى الآن.

لكن الصيادلة يرون أن هذه التخفيضات، وإن كانت في ظاهرها اجتماعية، لا تُوازيها مراجعة لهامش الربح، ولا تُرافقها إجراءات لتعويض المهنيين، ما يجعلهم الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج والتوزيع.

 نقيب الصيادلة: "لسنا ضد تخفيض الأسعار.. ولكن ليس على حسابنا"

في تصريح خصّ به وسائل إعلام محلية، قال أحد ممثلي الهيئات الصيدلانية:

"نحن مع تمكين المواطن من دواء بثمن مناسب، ولكن الدولة تختبئ وراء الصيادلة وتطلب منا أن نتحمل التكاليف بدل أن تدعم الإنتاج أو تعفي من الضرائب. لا يُعقل أن نشتري دواء بـ100 درهم ونبيعه بـ90 فقط لأن الوزارة قررت ذلك فجأة".

جمعيات المستهلك: "الدواء ليس سلعة تجارية"

على الضفة الأخرى، تؤكد جمعيات الدفاع عن المستهلك أن أسعار الأدوية في المغرب لا تزال مرتفعة مقارنة مع بلدان ذات مستوى اقتصادي مشابه، مشيرة إلى أن بعض الصيادلة يغلبون منطق الربح على المصلحة العامة.

وتقول فتيحة الودغيري، رئيسة جمعية "حقي في الصحة":

"من غير المعقول أن يستمر المواطن في أداء فاتورة دواء مرتفعة فقط لأن الصيادلة يريدون الحفاظ على هامش ربح مرتفع. الدواء حق وليس سلعة، وعلى الدولة أن تحسم في هذا النقاش لصالح الفئات الهشة".

أزمة ثقة وغياب حوار مؤسساتي

الوضع الحالي يعكس توترًا مزمنًا بين الصيادلة ووزارة الصحة، في ظل ما يعتبره المهنيون تهميشًا لهم في اتخاذ القرارات الكبرى التي تمسّ مهنتهم.

ويشتكي الفاعلون من عدم إشراكهم في إعداد اللوائح الجديدة للأدوية المعنية بالتخفيض، وغياب رؤية استراتيجية واضحة تراعي التوازن بين الحق في العلاج واستدامة مهنة الصيدلة.

تداعيات محتملة: غلق الصيدليات وتشريد مهنيين؟

عدد من الصيادلة، خاصة في الأحياء الشعبية والقرى، يؤكدون أنهم يعيشون على حافة الإفلاس، وأن استمرار مسلسل التخفيضات دون إصلاح شامل قد يؤدي إلى إغلاق جماعي للصيدليات الصغيرة والمتوسطة، مما سيفاقم من أزمة الولوج إلى الدواء، بدل أن يحلّها.

يقول الصيدلي محمد.ع من إقليم تاونات:

"الدواء ليس خبزًا، لا يمكننا تعويضه بسهولة. إذا أغلقت صيدليتنا، سكان الدوار سيضطرون لقطع 40 كلم للوصول إلى مدينة لشراء دواء للضغط أو السكري. هذا خطر حقيقي."

الحلول المقترحة: دعم مباشر وتعديل هامش الربح

في خضم هذا السجال، برزت دعوات من خبراء واقتصاديين لتبني مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار ما يلي:

توفير دعم مباشر للصيدليات المتضررة من التخفيضات، خصوصًا في العالم القروي

إعادة النظر في نظام تسعير الأدوية، بما يشمل تقليص أرباح الشركات المستوردة وليس فقط الصيادلة

فتح حوار وطني شفاف بين المهنيين، الحكومة، وممثلي المستهلكين

تشجيع الصناعة الوطنية للدواء لتقليص كلفة الاستيراد

إحداث صندوق تعويض لفائدة الصيدليات في حالات التخفيض المفاجئ

 بين الحق في الصحة وحق المهنيين في العيش الكريم

يبدو أن ملف تخفيض أسعار الأدوية في المغرب لن يُحلّ بقرارات فوقية أو بيانات متشنجة. فالرهان الحقيقي هو تحقيق التوازن بين العدالة الصحية والاستقرار المهني.

وإذا لم تُبادر الدولة إلى بناء جسر ثقة وتنسيق دائم بين كل الأطراف، فإننا قد ننتقل من أزمة أسعار الأدوية إلى أزمة في توافرها وانتشارها، خصوصًا في المغرب العميق.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك