محمد الطالبي: يدعو إلى إغناء الذاكرة الرياضية لسيدي يحيى الغرب بشهادات تاريخية

محمد الطالبي: يدعو إلى إغناء الذاكرة الرياضية لسيدي يحيى الغرب بشهادات تاريخية
أقلام حرة / الأربعاء 23 يوليو 2025 - 18:00 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد العرش المجيد

بقلم: محمد الطالبي

أخذنا على عاتقنا، وبكامل الإرادة والوعي بأهمية الأمر، خوض غمار هذه المبادرة النبيلة التي تتمثل في كتابة وتوثيق جزء من الذاكرة الكروية اليحياوية، تحت عنوان "الكفاح"، لقد انطلقت هذه المبادرة من إحساس عميق بالمسؤولية تجاه المدينة وتاريخها، ومن قناعة راسخة بأن ما لا يُكتب يُنسى، وما لا يُدَوَّنُ يضيع مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال .

لقد حرصنا على أن ننسج هذا العمل في شكل سلسلة متعددة الأجزاء، تنقل القارئ في رحلة عبر الزمن، تبدأ بمحطة التأسيس وظروفها وسياقها الاجتماعي والسياسي، ثم محطة التوقيف وما رافقها من أسباب وتداعيات، فمرحلة الصعود إلى القسم الوطني الثاني وما حملته من خلفيات وأحداث ومهندسين، وصولًا إلى محطة ما بعد الفترة الذهبية، تلك المرحلة التي وسمت الزمن الرياضي المحلي بروح العطاء رغم الانكسارات.

إننا في هذه السلسلة، لا نروي مجرد تفاصيل تقنية عن مباريات وأهداف وألقاب، بل نغوص في عمق الحكاية، نستحضر الشخصيات، ونعيد الحياة إلى الأزقة، والملاعب، والحوارات، والأصوات التي شكلت جزءًا من هوية المدينة. نروي هذا التاريخ الغني بعبق التضحيات، لا كحالة نوستالجيا باردة، بل كإرث يجب أن ينتقل من جيل إلى جيل، حتى لا تضيع معالمه في زحام النسيان، أو يُختزل في ذكريات باهتة.

ولعل الأهمية الكبرى لهذه المبادرة تكمن في كونها توثّق لمرحلة كانت فيها الرياضة، خاصة كرة القدم، أكثر من مجرد لعبة. لقد كانت ساحة للمقاومة، ومجالا للتعبير عن الانتماء والهوية، ومنبرًا للتلاحم الشعبي، ومتنفسًا لمجتمع يعاني من مخلفات الاستعمار والتهميش، ولكنّه ظل صامدًا، بفضل رجالاته الذين صنعوا المجد وأسسوا القواعد الأولى للهوية الرياضية اليحياوية.

وإننا إذ نواصل هذا المسار التوثيقي المتواضع، فإننا لا نغفل الإشارة إلى أن هذه المبادرة لم تكن لتبصر النور لولا الدعم المعنوي الوازن الذي تلقيته من الإعلامي والصحفي المقتدر، المقيم بإيطاليا، الأستاذ "فهد الباهي"، الذي يرجع له الفضل الكبير في إعادة الروح إلى هذا المشروع، حين كنت قاب قوسين أو أدنى من التخلي عنه، بعد أن داهمني التعب، وهاجمني الإحباط، نتيجة تراجع وضعي الصحي، وتلاشي الرغبة والإلهام في مواصلة الكتابة.

لقد كان لتدخل هيئة تحرير "أنتلجنسيا المغرب" وقع خاص، أحيى في دواخلي الأمل والعزيمة، ودفعني إلى استجماع ما تبقى من الطاقة والإيمان لأواصل هذا المسار الذي أعتبره واجبًا تاريخيًا وأخلاقيًا، تجاه رجال كتبوا بعرقهم وصبرهم وشغفهم صفحات مجد رياضي يَليقُ أن يُروى وتُرفع له القبعة.

اعتمدنا في جمع معطيات هذه السلسلة على مصادر شبه موثوقة، عايشت المرحلة واحتفظت في ذاكرتها بصور حية من التأسيس والانطلاقة. صحيح أن عددًا من أولئك الرجال قد رحلوا إلى دار البقاء، ولكن ما زال بعضهم حيًا، يعيش بيننا، وإن تقدمت به السنون. كما أنني، وبحكم مشاركتي كلاعب بين سنتي 1971 و1981، أعتبر نفسي شاهدًا مباشرًا على مرحلة أساسية من هذا التاريخ، ومؤتمنًا على جزء من ذاكرة المدينة الكروية.

ولم يكن من اليسير أبدًا البحث في تفاصيل تاريخ يمتد من سنة 1952 إلى حدود 1980، لكنه تحدٍّ قبلته بإصرار، إدراكًا مني بأن الذاكرة الجماعية لا يمكن أن تظل مرهونة للصمت أو الإهمال. ورغم أنني لا أزعم امتلاك ناصية الصحافة أو الكتابة الإبداعية، ولا أحمل شهادات جامعية تخولني صفة المؤرخ أو الباحث الأكاديمي، إلا أنني أومن بأن حب المدينة، والصدق في توثيق مسارها، هما أكبر شهادة وأبلغ حافز.

لم أربط شرعية الكتابة بالمستوى التعليمي، ولم أستحِ من الاعتراف بتواضع تكويني الدراسي، بل جعلت من هذا التواضع قوة دافعة، ومن عشق المدينة شرعية تامة تخولني حمل القلم والدخول إلى عوالم السرد التاريخي من بوابة الذاكرة الشعبية التي كثيرًا ما همّشها المؤرخون الرسميون.

ولا أدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة أو الرواية الوحيدة، خاصة ما يتعلق بالخمسينيات والستينيات، لكنني أضع بين يديكم شهادة عشت بعض تفاصيلها، وشهدت بعض فصولها، ولا أدعي الكمال، بل أترك الباب مفتوحًا أمام كل من يملك جزءًا من الصورة لتكتمل اللوحة الجماعية.

أؤكد هنا، وبكل صفاء نية، أن هذه المبادرة لا تحكمها خلفيات شخصية ولا نوايا خفية، وإنما انطلقت من رؤية إنسانية صافية، لا هدف لها سوى حفظ الذاكرة وتكريم الأوفياء. إنها ليست مجرد سلسلة من المقالات، بل وثيقة حب لمدينة ظلمها الزمن، لكنها أبت إلا أن تُخلّد نفسها في قلوب أبنائها.

ورغم أن سيدي يحيى الغرب ظلت، من حيث الجغرافيا والتنمية، على هامش اهتمامات السياسات العمومية، فإنها كانت وستظل في صلب الذاكرة الوطنية، باعتبارها مدينة أنجبت رجالات، واحتضنت مقاومين، وكتبت صفحات مشرقة من المجد الرياضي والوطني.

وفي ختام هذا الجزء من السلسلة، نوجه نداءً مفتوحًا، نابعًا من القلب، إلى كل من يحتفظ بصورة، أو وثيقة، أو شهادة، أو ذكرى، أن يمدّنا بها. فالتاريخ لا يُبنى من وجهة نظر واحدة، بل من تراكم الشهادات، وتقاطعات الذاكرة، وتعاون أبناء المدينة الشرفاء الذين يؤمنون أن من لا ماض له لا حاضر له، ومن لا ذاكرة له لا مستقبل له.

فلنصنع، بتضافر الجهود، ذاكرة سيدي يحيى الغرب الرياضية، ولنخلّد أسماء من حملوا المشعل، وغرسوا القيم، وصنعوا الفرح ذات زمن، دون أن نغفل أو نهمّش أيًّا من الأسماء، مهما بدا عطاؤها متواضعًا، فلكل منهم سهم في هذا المجد الجماعي.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك