نبذة تعريفية عن كتاب تفكيك السلفية..تحولاتها وتحوراتها من مجالس العلم إلى جبهات القتال" الصادر عن (مركز دراسات الوحدة العربية - أكتوبر 2025)
التعريف بالكاتب
محمد بوشيخي باحث مختص في الإسلام السياسي وقضايا التطرف والإرهاب، حاصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات السياسية من "مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية" بباريس (EHESS).
نشر عدة أبحاث حول إشكاليات الإيديولوجيا والدين، والدولة المدنية، وتحديات الحداثة، والمؤسسة الدينية، والتعليم الديني، والنسوية الإسلامية، وغيرها. كما أعد دراسات وتقارير تناولت الصراعات الجيوسياسية والتطورات الأمنية المرتبطة بالمد الجهادي بمنطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" ومواقع أخرى عبر العالم.
محتوى الكتاب
السلفية، بحسب الباحث، لم تستقر على ماهية واحدة، إنما انشطرت إلى سلفيات تعبر عن نفسها من خلال جملة أفكار ومفاهيم وتصورات متعددة الأبعاد تمددت عبر الزمان والمكان والتبست بعوامل التاريخ وظروف المجتمع وإكراهات السياسة. وأصبح تعريفها يفترض فحص مقولاتها وتتبع مساراتها والوقوف عند منعرجات تطورها التاريخي لاستيعاب كنهها في سياق حركيتها وتفاعلاتها؛ وذلك حتى يتسنى عرض تصورها وأسلوب نظرتها في أفق نقدي لمسلماتها وبمساءلة منطقها الخاص عوض البحث في ماهيتها.
لذلك يمهد الباحث في دراسته لموضوع الكتاب بتناول العناصر الأساسية في التراث السني، والتي يشكل استيعابها شرطًا لفهم منظومة السلفية المعاصرة ومفارقاتها؛ والتي تتمثل في شقاق المحدثين والفقهاء، ومحنة أهل الحديث، والتشكل الملتبس للمذهب الحنبلي ثم النزعة التجديدية لشيخ الإسلام ابن تيمية التي طمسها القراءات الانتقائية لفكره.
وفي استعراضه لإشكالية الكتاب، يتوقف الباحث عند التطورات اللاحقة للفكرة السلفية بدء من صعود نجم المحدثين الهنود، منذ القرن التاسع الهجري، وبداية ارتباطهم بالدعوة النجدية المزدهرة حينها في السعودية خاصة خلال حياة العلامة الهندي محمد إسماعيل بن عبد الغني (1193-1246هـ/ 1779-1831م)، ونجاح المتأثرين به في الولوج تدريجياً إلى الحقل الديني السعودي، الخاضع حينها لهيمنة أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعروفين على نطاق واسع بـ "الوهابية". حيث سمحت وحدة الانتماء العقدي لمشايخ الدعوة النجدية والمحدثين الهنود بتبادل الزيارات بينهما وإقامة عدد من المحدثين الهنود في الأراضي المقدسة؛ الشيء الذي وفَّر لمدرسة أهل الحديث الفرصة التاريخية لعودتها إلى مركز العالم العربي الإسلامي بعد أن هيمنة المذاهب الفقهية على فضاء التشريع الإسلامي قرونا متواصلة.
وأسهم كل ذلك في ظهور جيل جديد من المحدثين أطلق عليهم الباحث اسم "المحدثين الإحيائيين" أو أصحاب "الحديثية الإحيائية" أي المدونة الحديثية التي ظهرت خلال العقود القليلة الماضية كتوجه مذهبي مستقل وفق أصول مدرسة المحدثين الأوائل؛ والتي "أحيت" أصولاً بعد أن اندرست قرونًا طويلة تحت ضغط القوة المتعاظمة للمذاهب الفقهية واختيارات السلطة السياسية، مثل: القراءة الظاهرية للنص ووضع الحديث في مرتبة القرآن.
وبحسب الباحث دائما مثَّلت ولادة مدرسة "المحدثين الإحيائيين"، التي شكل محمد الدهلوي ومحمد ناصر الدين الألباني أبرز رجالاتها، هزة قوية لثوابت السلفية التقليدية، بإحياء إشكالات عميقة بشأن علاقة القرآن بالسنة تتمثل في القول بحجية خبر الآحاد في العقائد وقوته في نسخ القرآن وتكفير من ردَّه.
كما مثَّل ظهور "المثقف التصحيحي"، ممثلاً في سيد قطب، الذي طوَّر فكر جديد يربط الرؤية الجهادية بالأصول العقدية، ثورة على "السرديات" السلفية و"البرغماتية" الإخوانية؛ بصياغة منهج تغييري قائم على قاعدة رئيسية تتمثل في "التلازم بين النمو الحركي والنمو النظري"، وقواعد فرعية ثلاث تتمثل في "رفض الفقه" و"الجهاد منتجاً للفقه" ثم "مرحلية أحكام الشريعة".
فيما أحرز خطاب الألباني نوع من التطابق مع القطبية على مستوى تحليل الواقع والتماثل على مستوى تغييره. فالتطابق على مستوى التحليل تمثل في استعارة الألباني لمفاهيم "الجاهلية" و"الحاكمية" و"المفاصلة" وتطويقها بمسحة سلفية، أما التماثل على مستوى التغيير فتجسد في تبني الألباني لمفهوم ثوري لـ"الطائفة المنصورة" جعلها تتماهى مع مفهوم قطب لـ"الجيل القرآني الفريد". هذا التطابق والتماثل حفَّز انفتاح الجهاديين على الاجتهادات الحديثية وتبني المنهجية الألبانية في التعامل مع السنةـ، وبهذا منحت الألبانية للقطبية الشرعية الدينية التي كانت تفتقدها.
وبهذا تفاعلت الفكرة الجهادية مع العلم الشرعي، السلفي التوجه، بعد أن كانت حبيسة الأدبيات الايديولوجية، فانفتح الحركيون الجهاديون على الدعوة السلفية وتوسعت المراجع السلفية في المدونة الجهادية وتكرست سلطتها بتراث الدعوة النجدية، كما أقبلوا على فكر قطب، بوصف تعبيرًا عن الشرعية الدينية وليس فقط خطابات ايديولوجية، فانتقل التيار الجهادي من الصيغة الحركية إلى الصيغة السلفية، وتبلورت البواكير الأولى لعمليات "التهجين" التي شكلت السلفية الجهادية.
ورغم جهود "التأصيل" لدى دعاة "السلفية الجهادية"، فإن عوامل الشقاق والافتراق ظلت حاضرة في جوفها بسبب التباينات بين مكونيها الأساسيين للسلفية؛ السلفي/ الألباني من جهة والحركي/ القطبي من جهة أخرى. وهو ما انعكس في الصراع بين قياداتها الشرعية الميَّالة للسلفية وقياداتها الميدانية الممتثلة للقطبية، وتبدى في استخفاف الجهاديين بالعلم الشرعي وإيمانهم بسمو المقاتل على العالِم اقتناعًا بمقولة "لا يفتي قاعد لمجاهد"، حتى أصبح الجهادي "فقيه نفسه" بعد أن تلبَّس بشبهة "القطيعة الشرعية" و"التوسل بالمرجعية".
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك