تغوّل المقاربة الأمنية يهيمن على مشهد الحقوق والحريات في المغرب وتقرير حقوقي يُحذّر من انتكاسة غير مسبوقة

تغوّل المقاربة الأمنية يهيمن على مشهد الحقوق والحريات في المغرب وتقرير حقوقي يُحذّر من انتكاسة غير مسبوقة
تقارير / الثلاثاء 09 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر

أصدرت "الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان"، الحاصلة على الصفة الاستشارية لدى الأمم المتحدة، المعروفة اختصارا بـ"إيكوسوك"، تقريرها السنوي حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف الـ10 دجنبر من كل سنة.

وشددت الهيأة الحقوقية المذكورة في تقريرها، على أن هناك استمرار في اختلالات بنيوية تضعف منظومة الحقوق والحريات بالبلد، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن هناك تراجع مقلق في الحريات العامة، وفي حكامة تدبير عدد من الملفات، خصوصا:العدالة الاجتماعية، الصحافة، والتعامل مع الكوارث الطبيعية، حسب ما جاء في نص التقرير الذي تحصلت الجريدة على نسخة منه.

كما أكدت الرابطة في تقريرها، على أنها رصدت استمرار  اللجوء إلى المقاربة الأمنية في معالجة قضايا الرأي والاحتجاج، وتفاقم ظاهرة التشهير.

ولم يفوت التنظيم الحقوقي الفرصة، ليشير إلى غياب ما وصفه بتنظيم مهني ديقراطي خاص بقطاع الصحافة.

ونبهت الجمعية الحقوقية، من خلال تقريرها السنوي، إلى ما أسمته تأخر الإصلاحات الحقوقية، التي سبق الإعلان عنها.

وهذا النص الكامل لتقرير الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان كما توصلت الجريدة بنسخة منه:

                                                                                                    i.          مقدمة

يشهد المغرب خلال سنة 2025 مرحلة دقيقة في مسار حقوق الإنسان، تتسم بتزايد التوتر بين الخطاب الرسمي حول الإصلاح والالتزام، وبين الواقع الميداني الذي يكشف استمرار اختلالات بنيوية تُضعف منظومة الحقوق والحريات، وتحدّ من فعالية الضمانات الدستورية، وتبرز تراجعاً مقلقاً في الحريات العامة وفي حكامة تدبير عدد من الملفات الكبرى، ولاسيما العدالة الجنائية، الصحافة، والتعامل مع الكوارث الطبيعية. وقد رصدت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، من خلال عملها الميداني والرصدي والفكري، استمرار اللجوء إلى المقاربة الأمنية في معالجة قضايا الرأي والاحتجاج، وتفاقم ظاهرة التشهير، وغياب تنظيم مهني ديمقراطي لقطاع الصحافة، إلى جانب تأخر الإصلاحات الحقوقية التي سبق الإعلان عنها.

وتؤكد الرابطة أن اعتماد المقاربة الأمنية ليس مجرد انزلاق ميداني، بل هو قرار سياسي تتحمل الحكومة مسؤولياته القانونية والأخلاقية، باعتبارها الجهة المكلفة بإعمال الدستور وضمان حماية الحقوق والحريات. ومن ثمّ، فإن مراجعة هذا النهج تظل ضرورة ملحّة لضمان معالجة أكثر فعالية ونجاعة للقضايا الاجتماعية والحقوقية، بما يحترم التزامات المغرب الدولية.

وفي الوقت نفسه، لا بد من الإشارة إلى أن المؤسسة الأمنية شهدت خلال السنوات الأخيرة تطوراً واضحاً من حيث الاحترافية والتحديث واحترام القانون، وهو تطور إيجابي يستوجب تثمينه والبناء عليه، غير أنه يظل رهيناً بمدى اتساق القرارات السياسية مع المقاربة الحقوقية، وبمدى توفير ضمانات المحاسبة ومنع الإفلات من الانتهاكات الفردية.

وفي سياق تراجع الثقة في مؤسسات الوساطة التقليدية، ورغم أهمية الدور الدستوري الموكول للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن الرابطة تسجل بقلق ضعف انفتاح المجلس على المنظمات الحقوقية المستقلة، واقتصار مقاربته على اتجاه سياسي واحد، الأمر الذي مسّ بحياده ومصداقيته لدى جزء واسع من الحركة الحقوقية.
وقد سبق لعدد من المنظمات الوطنية والدولية أن عبّرت عن انتقادات لمحدودية تدخّلات المجلس في بعض الملفات الحساسة، وضعف قدرته على رصد الانتهاكات الميدانية، وغياب مبادرات فعّالة في قضايا السجون وحرية التعبير، وتقصير واضح في حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
كما أن هيمنة منطق الاصطفاف السياسي داخل المجلس أدّى إلى تقلّص مساحة التعددية، وإضعاف دوره في الوساطة والتقصي، بل وخلق شعوراً لدى جزء من المجتمع المدني بأن المجلس أصبح أقرب إلى مؤسسة استشارية حكومية منه إلى هيئة مستقلة لحماية حقوق الإنسان.

وتوازي هذه المعضلات محدودية تفاعل الحكومة مع توصيات الآليات الأممية—سواء الصادرة عن الإجراءات الخاصة أو اللجان التعاقدية أو الاستعراض الدوري الشامل—بما يعكس فجوة بين التزامات المغرب على المستوى الدولي وبين ممارساته على المستوى الداخلي.

وفي السياق ذاته، ازداد التوتر بين الإعلام المستقل والسلطات بفعل التضييقات القانونية والممارساتية، وانتشار حملات التشهير المنظمة، في ظل غياب مجلس وطني للصحافة منتخب وشرعي قادر على حماية أخلاقيات المهنة وضبط القطاع.

وانطلاقاً من مسؤولياتها الوطنية والدولية، تؤكد الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان أن دورها لا يقتصر على الرصد والتوثيق، بل يمتد إلى الإسهام في تطوير المنظومة الحقوقية بالمغرب عبر تعزيز المقاربة التشاركية، وتفعيل علاقاتها الدولية، وتوظيف خبرتها داخل منظومة الأمم المتحدة وفي آلياتها التعاقدية وغير التعاقدية، بما يعزز صورة المغرب الحقوقية ويقوي التزامه الدولي.

إن الهدف من هذا التقرير ليس توجيه النقد من أجل النقد، بل المساهمة الجادة في تحسين وضعية حقوق الإنسان من خلال تحليل موضوعي، وتوصيات عملية قابلة للتنفيذ، من شأنها دعم الإصلاح، وترسيخ الشفافية، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإعادة الاعتبار للمقاربة الحقوقية كمرجع أساسي للسياسات العمومية.

وإننا في الرابطة نؤمن بأن بناء مغرب قوي، عادل، موحّد، يحترم حقوق الإنسان ويضمن للجميع التمتع الكامل بحقوقهم، لن يتحقق إلا عبر عمل جماعي تشاركي يجمع الدولة بمؤسساتها، والمجتمع المدني المستقل، والهيئات الدستورية، والقوى الحية، ضمن رؤية وطنية تجعل من كرامة الإنسان أساس كل مشروع إصلاحي حقيقي..

                                                       ادريس السدراوي

 الرئيس الوطني للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الانسان

Description : CACHET 001

 

 

 

 

       i.          الحقوق الاقتصادية والاجتماعية — تفاقم الفوارق وضعف الخدمات الأساسية رغم مبادرات الإصلاح

1.   الفقر والفوارق الاجتماعية — اتساع الهشاشة وغياب حماية اجتماعية فعّالة

تسجّل الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان استمرار اتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية، رغم إطلاق الحكومة برامج متعددة في مجال الحماية الاجتماعية. إذ تعيش فئات واسعة من المغاربة تحت وطأة الهشاشة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وضعف الدخل، واتساع رقعة الاقتصاد غير المهيكل الذي يحرم الملايين من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

وقد أبرزت التقارير الوطنية حول الفقر والبناء الاجتماعي الجغرافي له أن العالم القروي يستمر في احتضان النسبة الأعلى من الفئات الفقيرة والمهددة بالفقر، خصوصاً في المناطق الجبلية والبعيدة، وهي مناطق تعاني من ضعف بنيوي في البنية التحتية والخدمات الأساسية. ويمثل هذا الوضع مساساً مباشراً بـ الحق في مستوى معيشي لائق كما تنص عليه المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ورغم تعميم التأمين الصحي الإجباري، فإن الاستفادة الفعلية تبقى محدودة بفعل ضعف الخدمات الصحية، وصعوبة الولوج، وغياب بنيات قادرة على استيعاب الطلب، ما يجعل منظومة الحماية الاجتماعية الحالية غير مكتملة وغير قادرة على الحد من الهشاشة.

2.   الحق في الصحة — استمرار تدهور المنظومة الصحية واختلالات بنيوية

تواجه المنظومة الصحية اختلالات بنيوية حادة، من بينها:

  • نقص حاد في الموارد البشرية،
  • ضعف التجهيزات الطبية،
  • غياب التوزيع الجغرافي العادل للأطر الصحية،
  • الاكتظاظ في المستعجلات،
  • ضعف خدمات الصحة النفسية والعقلية.

وتعتبر الرابطة أن هذه الاختلالات تمس الحق في الصحة كما تنص عليه المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تتعارض مع الفصل 31 من الدستور الذي يلزم الدولة بضمان الحق في العلاج والوقاية والتغطية الصحية.

وتتفاقم هشاشة القطاع في العالم القروي، حيث يضطر المواطنون إلى التنقل لمسافات طويلة للوصول إلى مستشفى جهوي، غالباً دون ضمان توفر طبيب أو خدمات أساسية.

3.   الحق في التعليم — هشاشة تتفاقم وتزايد الفوارق بين العمومي والخصوصي

لا يزال قطاع التعليم يشهد اختلالات عميقة تؤثر على فعالية المنظومة وعلى مبدأ تكافؤ الفرص:

·      الاكتظاظ وضعف ظروف التعلم

تسجّل مؤسسات عديدة أقساماً تفوق 40 تلميذاً، مما يضعف جودة التعلم ويعطل التتبع البيداغوجي.

·      ضعف جودة التعلمات

رغم إصلاح الكتب والمناهج، تبقى مؤشرات التعلم الوطنية والدولية دون المتوسط في اللغات والعلوم.

·      الخصاص في الأطر التربوية

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك