أنتلجنسيا:ياسر اروين
قبل أن تُفتح مكاتب التصويت، وقبل أن تُعلَّق صور المرشحين أو تُلقى الخطب الانتخابية، يبدو أن ملامح حكومة ما بعد انتخابات 2026 قد رُسمت سلفاً في كواليس القرار الحقيقي بالمغرب، حيث لا تُصنع السلطة داخل البرلمان ولا تُحسم في الحملات الانتخابية، بل تُدار داخل شبكة معقدة من النفوذ المخزني واللوبيات الاقتصادية والمالية المرتبطة به.
فالمشهد السياسي المغربي يعيش منذ سنوات حالة فراغ فعلي، تُدار فيه التعددية كواجهة، بينما يُفرغ التنافس الانتخابي من مضمونه.
والأحزاب، في غالبيتها، لم تعد فاعلاً مستقلاً، بل تحولت إلى أدوات وظيفية تُستدعى عند الحاجة لتزكية اختيارات جاهزة.
في هذا السياق، يبرز اسم عزيز أخنوش ليس كزعيم سياسي أفرزته دينامية شعبية أو برنامجية، بل كخيار استراتيجي للنخب المتحكمة، التي ترى فيه الضامن الأمثل لاستمرارية نموذج اقتصادي ريعي، ولتأمين مرحلة دولية حساسة مرتبطة بتنظيم كأس العالم.
فما يُسوَّق له تحت مسمى “حكومة المونديال” ليس سوى غطاء سياسي لإعادة إنتاج نفس موازين القوة، مع منحها طابعاً تقنوقراطياً واستثمارياً يرضي الشركاء الدوليين ويطمئن الأسواق، دون أدنى اعتبار للسؤال الديمقراطي أو الاجتماعي.
فالمخزن، مدعوماً بلوبيات المال والأعمال، لا يراهن على صناديق الاقتراع بقدر ما يراهن على التحكم في شروط اللعبة نفسها: قانون انتخابي مُفصَّل، إعلام مُروَّض، أحزاب مُدجَّنة، وإدارة انتخابية تعرف جيداً حدود المسموح والممنوع.
وفرض أخنوش لولاية جديدة لا يتم عبر خطاب سياسي مقنع أو حصيلة حكومية مقنعة، بل عبر آليات أكثر عمقاً: التحكم في الموارد، توجيه الاستثمار، ضبط الخريطة الحزبية، وتحييد أي معارضة قد تُربك السيناريو المرسوم.
لذلك لا يبدو مستغرباً أن تتراجع الثقة الشعبية في السياسة، وأن تتسع هوة العزوف، لأن المواطن يدرك، بوعي أو بحدس، أن القرار لا يُصنع حيث يُطلب منه التصويت.
الأخطر في هذا المسار أن “حكومة المونديال” تُقدَّم كضرورة وطنية، وكأن الديمقراطية ترف مؤجل، وكأن التنمية لا تتحقق إلا بتعليق المحاسبة وتكميم السياسة.
غير أن التاريخ القريب يُظهر أن الحكم باللوبيات، مهما تجمّل بشعارات الاستقرار والنجاعة، لا يُنتج سوى مزيد من الهشاشة الاجتماعية وتراكم الغضب الصامت.
ما يجري اليوم ليس تحضيراً عادياً لاستحقاق انتخابي، بل هندسة سياسية مسبقة لنتيجة معروفة، عنوانها استمرار نفس الوجوه ونفس الخيارات، ولو على حساب الإرادة الشعبية.
وبينما يُراد للمونديال أن يكون واجهة مشرقة للمغرب، فإن كواليس السياسة تكشف واقعاً أكثر قتامة: دولة تُدار بالتحكم، وسياسة بلا سيادة شعبية، وانتخابات يُراد لها أن تُضفي الشرعية على ما حُسم سلفاً.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك