أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
عاش مجلس النواب على وقع صراع سياسي غير مسبوق بسبب مشروع قانون مالية 2026، الذي تحوّل إلى فتيل توتر بين الأغلبية والمعارضة، وسط غضب متصاعد في الشارع الرقمي وانتقادات واسعة من خبراء الاقتصاد ونشطاء المجتمع المدني.
المشروع، الذي تقدمت به الحكومة باعتباره “رافعة للإقلاع الاقتصادي”، يُنظر إليه من طرف المعارضة على أنه انحراف خطير في بوصلة السياسات العمومية لأنه يوجّه الامتيازات نحو رجال الأعمال والمجموعات المالية الكبرى، مقابل تهميش واضح لمصالح الطبقات المتوسطة والفئات الهشة.
وتأتي هذه الانتقادات في وقت صادق فيه مجلس النواب المغربي، أمس الجمعة 14 نونبر الجاري، بالأغلبية، على مشروع قانون المالية رقم 50.25 برسم السنة المالية 2026.
وجرت المصادقة خلال جلسة عمومية امتدت لأزيد من ثلاث ساعات، حيث وافق 165 نائباً مقابل معارضة 55 نائباً، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت.
وقبل هذه الجلسة، كان نواب الغرفة الأولى قد صوّتوا على الجزء الأول والجزء الثاني من المشروع نفسه، قبل إحالته رسمياً على مجلس المستشارين لمواصلة المسطرة التشريعية.
وتتهم المعارضة الحكومة بأن قانون المالية الجديد “مفصّل على مقاس اللوبيات الاقتصادية المتحكمة”، لأنه ركز على تخفيضات ضريبية وحوافز موجهة للشركات الكبرى دون أي تصور حقيقي لمعالجة التدهور الحاد في القدرة الشرائية أو دعم الطبقات التي تتحمل أكبر عبء للأزمة الاقتصادية.
وترى أن المشروع يفتقر لرؤية اجتماعية عادلة ويغيب الإصلاحات الجوهرية التي طال انتظارها، خاصة في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
ويؤكد نواب معارضون أن الحكومة اختارت الاصطفاف السياسي والاقتصادي إلى جانب كبار رجال الأعمال على حساب الموظفين والعمال وصغار المهنيين الذين يواجهون ارتفاعاً مهولاً في الأسعار وغياباً لبرامج فعالة لتحسين الدخل.
ويعتبر هؤلاء أن قانون مالية 2026 لا يقدم أي حلول جذرية للبطالة ولا للتفاوتات المجالية، بل يرسخ نموذجاً اقتصادياً يعمق الفوارق الاجتماعية ويعيد إنتاج منظومة الامتيازات نفسها.
وفي المقابل، تواصل الحكومة الدفاع عن مشروعها معتبرة أنه “واقعي ومسؤول”، وأن الإجراءات الواردة فيه ضرورية لضمان جاذبية الاستثمار واستمرار النمو.
غير أن منتقديها يرون أن هذا الخطاب لم يعد يقنع أحداً، لأن السياسات الموجهة حصرياً لجلب المستثمرين لطالما أثبتت محدوديتها، وأسهمت في توسيع الهوة بين أقلية تستفيد من الامتيازات وأغلبية تكافح من أجل تلبية احتياجاتها الأساسية.
ومع انتقال المشروع إلى مجلس المستشارين، تتزايد المخاوف من أن يتحول هذا الجدل إلى أزمة سياسية مفتوحة، خصوصاً في ظل احتقان اجتماعي واسع وتراجع واضح في الثقة العمومية.
ويرى مراقبون أن الصراع حول قانون مالية 2026 لم يعد مجرد نقاش حول أرقام تقنية، بل أصبح معركة حول هوية النموذج الاقتصادي في المغرب: هل ستستمر الدولة في دعم مصالح الشركات الكبرى ولوبيات المال، أم ستعيد الاعتبار للطبقات التي تنتظر إنصافاً اجتماعياً حقيقياً؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك