أنتلجنسيا المغرب:الربان
في خطوة سياسية غير مسبوقة منذ سنوات، صوّت مجلس بلدية برشلونة، الجمعة، لصالح قرار يقضي بقطع العلاقات المؤسسية مع الحكومة الإسرائيلية وتعليق اتفاق الصداقة المبرم مع بلدية تل أبيب، وذلك احتجاجًا على ما وصفه بـ"الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني". القرار أثار جدلًا واسعًا على المستويين الإسباني والدولي، ويأتي في سياق تصاعد مواقف الدعم الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية في أوروبا.
القرار الذي حظي بدعم واسع من الحزب الاشتراكي الحاكم بالمدينة، إضافة إلى عدد من أحزاب اليسار وتيارات استقلال كاتالونيا، جاء بعد جلسة تصويت شهدت نقاشًا حادًا حول دور المؤسسات المحلية في التفاعل مع القضايا الدولية. ويشمل النص نحو عشرين بندًا، أبرزها تعليق "اتفاق الصداقة" الموقع سنة 1998 بين العاصمة الكاتالونية وتل أبيب، إلى جانب تدابير أخرى رمزية وفعالة، مثل دعوة معرض برشلونة لعدم استضافة أجنحة حكومية إسرائيلية أو شركات الأسلحة، وطلب توصية مماثلة لمنع استقبال السفن المرتبطة بتهريب أو نقل العتاد العسكري إلى إسرائيل في ميناء المدينة.
رئيس بلدية برشلونة، الاشتراكي جاومي كولبوني، دافع بقوة عن القرار خلال الجلسة، مؤكدًا أن "مستوى المعاناة والدمار الذي شهدته غزة على مدى عام ونصف، إضافة إلى الهجمات العسكرية المتكررة التي نفذتها حكومة بنيامين نتانياهو في الأسابيع الأخيرة، تجعل من غير المقبول استمرار أي شكل من أشكال العلاقات بين برشلونة وتل أبيب". كولبوني شدد على أن مدينته لا يمكنها أن تبقى على الحياد بينما يُسحق شعب بكامله تحت آلة عسكرية واحتلال لا يرحم.
هذا القرار ليس الأول من نوعه في تاريخ العلاقة بين برشلونة وتل أبيب. ففي فبراير 2023، أقدمت آدا كولاو، رئيسة البلدية السابقة والناشطة اليسارية المعروفة، على تعليق العلاقة الرسمية مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاق التوأمة مع تل أبيب، معتبرة أن المدينة لا يمكن أن تبقى متورطة في "علاقات مؤسسية مع دولة تمارس سياسة فصل عنصري ضد الفلسطينيين". غير أن هذا القرار تم تجميده لاحقًا بعد وصول كولبوني إلى رئاسة البلدية، قبل أن يُعاد إحياؤه الآن في صيغة أكثر صرامة وشمولية.
قرار برشلونة يتزامن مع تطور لافت في الموقف الرسمي الإسباني من القضية الفلسطينية، إذ كانت مدريد من بين أولى العواصم الأوروبية التي اعترفت رسميًا بدولة فلسطين إلى جانب أيرلندا والنرويج في مايو 2024، ضمن موجة دعم أوروبية متصاعدة جاءت ردًا على الحرب المتواصلة في قطاع غزة. رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز أصبح أحد أكثر الأصوات الأوروبية المنتقدة لسياسات نتانياهو، مؤكدًا مرارًا أن استمرار الاحتلال ومنع المساعدات الإنسانية عن غزة يمثل جريمة ضد الإنسانية، وأن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس مجرد "موقف أخلاقي"، بل ضرورة سياسية لضمان الاستقرار الإقليمي والدولي.
من جهتها، لم تتأخر الحكومة الإسرائيلية في الرد، إذ وصفت الخارجية الإسرائيلية تصريحات سانشيز وقرارات برشلونة بأنها "هجوم عدائي يستهدف شرعية الدولة اليهودية"، متهمة المسؤولين الإسبان بـ"الانحياز والديماغوجيا السياسية". كما لم تستبعد مصادر دبلوماسية إسرائيلية إعادة النظر في علاقات التعاون مع عدد من المدن والمؤسسات الإسبانية رداً على هذا التصعيد.
في الأثناء، يواصل الرأي العام الأوروبي التعبير عن تضامن غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني، حيث شهدت مدن أوروبية كبرى مثل مدريد، باريس، برلين وأمستردام مظاهرات حاشدة تدعو لوقف الحرب في غزة، وإنهاء الحصار، وتطبيق العدالة الدولية على جرائم الحرب المرتكبة.
قرار برشلونة يمثل رسالة سياسية قوية مفادها أن زمن الصمت الأوروبي إزاء ما يحدث في فلسطين قد ولى، وأن مدن العالم، حتى على المستوى المحلي، يمكن أن تتحول إلى منابر للمساءلة الأخلاقية والضغط الدبلوماسي. فهل تتبعها مدن أخرى؟ وهل تشكل هذه الخطوة بداية لتحوّل نوعي في الموقف الأوروبي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك