
أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
على رأسهم رئيس الحكومة "عبدالعزيز أخنوش"، لا داعي لأن نضيع المداد لأجله.
وزير التربية
والتعليم المغربي "محمد سعد برادة" يمثل نموذجاً صارخاً لإسناد المهام
إلى غير أهلها، وحتى لا نكون من الذين يقولون بيضاء عبد سوادها وسوداء عند بياضها،
كما يقول المثل الشعبي المغربي "مالك مزغب" الذي يلخص هذا الوضع
الملتبس، أو "طاحت الصمعة علقو الحجام" .
الرجل يشغل
حالياً منصب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة منذ أكتوبر 2024، بعد
أن جاء من خلفية أكاديمية في الهندسة من مدرسة القناطر والطرق بباريس، ومن تجربة
في القطاع الخاص حيث أسس شركات في مجالات الحلويات وأيضا الأدوية، هذه الخلفية
منحته خبرة في الإدارة والتسيير المالي، لكنها بعيدة كل البعد عن التربية
والتعليم، مما يجعل تعيينه في هذا المنصب أشبه بوضع البنّاء في قاعة الدرس.
الحقيقة التي
لا مراء فيها أن مؤهلات برادة محترمة ولا جدال في قيمتها، لكنها في مجال آخر
تماماً.
فلو تولى مثلا
وزارة التجهيز والنقل لكان أقرب إلى اختصاصه، أما التعليم فليس ملعبه، "بينو
معاه غير الخير والإحسان"، كما يقال بالدارجة والتعرابت، لأن القطاع يحتاج
إلى مربيين وعلماء بيداغوجيا يعرفون دقائق التعليم ومشاكله العميقة، الأدهى أن
الرجل يجد صعوبة في مخاطبة الشعب بلغته الأم، اللغة العربية، إذ يغلب عليه الحديث
بالفرنسية التي تعلّمها واشتغل بها لسنوات،في بلاد "الفرنسيس" ففقد بذلك
الرابط الأساسي مع المدرسة المغربية ومع التلاميذ والأطر التربوية.
الأمر هنا لا
يتعلق بمؤهلات علمية بقدر ما يتعلق بالقدرة على التواصل والانسجام مع قطاع حساس
يرتبط بالهوية الوطنية.
منذ توليه
المنصب واجه برادة تحديات كبيرة، لكنه تعامل معها بسطحية أكثر مما تعامل معها
بجدية، ملف الإصلاح التربوي وتحسين جودة التعليم في القرى لم يتحرك قيد أنملة،
والقرارات التي اتخذها لم تزد الوضع إلا تعقيداً، مثل إعفاء عشرات المدراء
الإقليميين دفعة واحدة في خطوة أثارت الكثير من الجدل.
أما زياراته
"البروتوكولية" لبعض المؤسسات التعليمية، فكانت مجرد استعراض لا أكثر،
إذ لم يفهم الوزير كيف يخاطب الأطر والتلاميذ، وبقيت تلك الزيارات مجرد "در
الرماد في العيون"، التعليم اليوم يحتاج إلى قائد إصلاحي يعرف همومه ويعيش مشاكله،
لا إلى رجل أعمال ناجح في قطاع الحلويات والأدوية، ولهذا فإن بقاء "محمد سعد
برادة" على رأس هذه الوزارة الحساسة لا يخدم مصلحة الوطن، بل يزيد من تعميق
أزمته.
وزير الصحة
"أمين التهراوي "
وزير الصحة
والحماية الاجتماعية في المغرب "أمين التهراوي"، عُيّن في منصبه خلال
التعديل الحكومي الذي عرفته حكومة عزيز أخنوش في أكتوبر 2024.
غير أن تعيينه
على رأس هذا القطاع الحيوي أثار الكثير من التساؤلات والانتقادات، لكون الرجل لا
يمت بصلة إلى الميدان الصحي، فلا هو طبيب ولا خبير في السياسات الصحية، بل هو
إداري بالأساس، ويكفي أن المغاربة يرددون عنه ساخرين أنه لا يعرف من الأدوية سوى
"الدواء الأحمر والفاصمة"، في إشارة إلى بعده التام عن عالم التطبيب
والعلاج.
المسار المهني
للتهراوي مرّ عبر مؤسسات مالية وتجارية كبرى، فقد حصل على تكوين أكاديمي في
الإدارة العامة من المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، واشتغل في بنك الأعمال
"التجاري فاينانس كورب"، ثم انتقل إلى مجموعة "أكوا" التابعة
لعائلة رئيس الحكومة حيث ارتبط عمله بعالم المكياج والمستحضرات، وبعدها إلى شركة
"أكسال" حيث تقلد منصب المدير العام. كما شغل منصب مدير ديوان وزير
الفلاحة تحت إشراف عزيز أخنوش، قبل أن يصبح كاتباً عاماً لرئاسة الحكومة، ثم
وزيراً للصحة في النسخة الثانية من الحكومة.
هذا المسار
الزاخر بالمسؤوليات الإدارية والمالية يبرهن على خبرة في التسيير، لكنه في الوقت
نفسه يكشف عن غياب أي صلة بقطاع الصحة الذي يختلف تماماً عن عالم التجارة والربح
والخسارة.
ولذلك فإن
الإشكال ليس في كفاءة الرجل كإداري أو مسير، بل في طبيعة الوزارة التي وُضِع على
رأسها، قطاع الصحة في المغرب يعيش أزمات متراكمة من نقص الأطر الطبية والأدوية،
تردي البنية التحتية، ومعاناة المواطنين في المستشفيات العمومية، وهو قطاع يتطلب
وزيراً يفهم تفاصيله ويملك تصوراً عميقاً لإصلاحه.
أما " سي
التهراوي" فقد جاء نتيجة اختيار سياسي ضيق، جلبه رئيس الحكومة من دائرة
المقربين ليضعه في منصب أكبر من خبراته، " عمر بيه الشقف" كما يقال،
وبين وزير الصحة وصحة المواطنين لا يجتمع اليوم غير "الخير والإحسان"،
كما يقال بالدارجة، وبالنظر إلى الاحتقان الاجتماعي المتصاعد والآلام التي تزداد
يوماً بعد يوم، فإن إقالة الوزير تبدو ضرورة لتفادي مزيد من التوتر وإعادة الأمل
لقطاع ينتظر الإنقاذ منذ عقود.
وزير الأوقاف
والشؤون الإسلامية "أحمد التوفيق"
وزير الأوقاف
والشؤون الإسلامية "أحمد التوفيق"، واحد من أقدم الوزراء في الحكومة
المغربية، إذ يشغل منصبه منذ سنة 2002، أي ما يزيد عن عقدين من الزمن، 23 سنة، ما
يجعله من أطول الوزراء بقاءً في المسؤولية.
مساره
الأكاديمي بدأ بالحصول على الإجازة في الآداب، تخصص تاريخ، من كلية الآداب بالرباط
سنة 1968، ثم شهادة في علم الآثار ودبلوم السلك الثالث، تنقل في مساره بين التدريس
الجامعي والإدارة، فعمل أستاذاً مساعداً ثم محاضراً، وتولى منصب نائب عميد كلية
الآداب بالرباط، وبعدها مديراً لمعهد الدراسات الإفريقية، ثم مديراً للمكتبة
العامة بالرباط، قبل أن يُعيَّن وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية، خلفيته
أكاديمية صرفة، أقرب إلى قاعات البحث والمخطوطات منها إلى ساحات الحقل الديني
ومشاكله اليومية.
منذ توليه
الوزارة، لم يُسجل له المغاربة إصلاحات جوهرية في الحقل الديني، بل على العكس،
طُرد في عهده خيرة الأئمة والعلماء الذين عُرفوا بعلمهم الواسع وحضورهم الوطني
والدولي. هؤلاء العلماء كانوا من أهل السنة الذين يقارعون الحجة بالحجة، ويصدرون
الفتاوى بعلم ومسؤولية، غير أن مكانهم أُفرغ لتظل الوزارة حكراً على من يوافق
توجهاتها "البيروقراطية"، وخطب "فوطو كوبي"، الفتوى ليست
أمراً هيناً، بل مسؤولية عظيمة ووزرها ثقيل عند الله، ومع ذلك أُقصي العلماء
الحقيقيون، ما جعل المساجد والمجالس العلمية تفتقد أصواتاً وازنة كان لها أثر في
الداخل والخارج.
وإن كان
للتوفيق أن يسجل إنجازاً في وزارته، فهو دعمه المستمر للأضرحة والزوايا، والحمقى، كل مرة نراه يقصد زاوية، يعلن عن غلاف مالي
مخصص لها من ميزانية الوزارة.
لكن السؤال الجوهري: هل دعم الأضرحة أولى من دعم
الأحياء؟
المؤمن إذا
مات ينقطع عمله إلا من ثلاث، ولد صالح، علم يُنتفع به، أو صدقة جارية.
الأولوية
الحقيقية هي لطلاب العلم، للأئمة، للمؤسسات التعليمية الدينية، ولإحياء الفكر
الإسلامي الأصيل، وحفظة القرأن، لكن سياسة التوفيق أعطت صورة واضحة أن الرجل لا
علاقة له بجوهر الدين الإسلامي، بل أقصى ما يفقه فيه هو أداء الصلوات الخمس.
ولهذا فإن
استمرار "أحمد التوفيق" في منصبه بعد أكثر من عشرين سنة لا يخدم الحقل
الديني، بل يعمّق أزمته، ومن الواجب أن يخلفه عالم رباني حقيقي يليق بإمارة
المؤمنين، أما التاريخ فقد مضى ولن يعود يا أستاذ التاريخ.
وزير الداخلية
"عبدالوافي لفتيت"
الوزير
"عبد الوافي لفتيت"، الذي يشغل منصب وزير الداخلية منذ الخامس من أبريل
سنة 2017، واحد من أبرز الوجوه التكنوقراطية التي تمثل استمرار تقليد مغربي راسخ
في إسناد حقيبة الداخلية لشخصيات غير منتمية للأحزاب السياسية.
تخرّج من
المدرسة الوطنية العليا للمناجم في باريس سنة 1989، وحصل بعدها على دبلوم من
المدرسة الوطنية للقناطر والطرق سنة 1991، وهو تكوين جعله مؤهلاً لتولي مسؤوليات
تقنية وإدارية كبرى. مساره المهني بدأ في قطاع الموانئ، حيث شغل مناصب عليا في
أكادير وآسفي وطنجة بين 1992 و2002، قبل أن ينتقل لإدارة المركز الجهوي للاستثمار
بطنجة- تطوان، ثم تقلد مناصب عامل إقليم الفحص أنجرة سنة 2003، وعامل إقليم
الناظور سنة 2006، قبل أن يترأس شركة التهيئة لإعادة توظيف المنطقة المينائية
لطنجة المدينة سنة 2010، ثم عُيّن والياً على جهة الرباط-سلا- زمور- زعير وعاملاً
على عمالة الرباط سنة 2014.
هذا التدرج
منحه خبرة واسعة في تدبير ملفات التنمية والتراب والأمن، ومهّد له الطريق نحو وزارة
الداخلية.
لكن رغم هذا
المسار الحافل، ارتبط اسم "عبد الوافي لفتيت" في نظر قطاع واسع من
المغاربة بملفات شائكة وظلت تلاحقه كظلال ثقيلة.
أبرز هذه
الملفات قضية الأراضي السلالية، حيث اشتكى ذوو الحقوق مرارا من سلب أراضيهم بالقوة
لفائدة نافذين، في وقت ظلت وزارة الداخلية – التي يقودها لفتيت – تصدر قرارات
قاسية تميل لصالح أصحاب السلطة والمال على حساب الفقراء والمحتاجين.
مواطنون قضوا
عقوداً طويلة، خمسين وستين وسبعين سنة في أراضيهم ومساكنهم، وجدوا أنفسهم فجأة
يُهجّرون إلى المجهول دون مبررات قانونية مقنعة، وهو ما اعتُبر عند كثيرين ذروة
"الحكرة" وتجسيداً لانعدام العدالة الترابية.
كما أن
الانتخابات وما رافقها من صفقات مشبوهة، وملفات العمال والولاة، وفضائح رؤساء
الجماعات القروية والحضرية، بقيت كلها نقاطاً سوداء في عهد لفتيت، ورغم الجهود
الرسمية للحديث عن الأمن والاستقرار ومواكبة الإصلاحات الكبرى كالجهوية المتقدمة،
فإن واقع الحال في نظر معارضي قراراته أفرزت صورة أخرى، صورة وزير ارتبط اسمه
بالظلم والتهجير ونزع الأراضي من أهلها، وصورة وزارة فقدت الثقة الشعبية بسبب
قراراتها القاسية والمتحيزة.
لهذا يرى
كثيرون أن استمرار عبد الوافي لفتيت على رأس وزارة الداخلية لم يعد يخدم صورة
الدولة، وأن إقالته باتت ضرورة ملحة لإعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات بلاده.
جزء واسع من
الرأي العام المغربي الذي بات يربط اسم وزارة الداخلية في شخص " لفتيت"
بالتحكم السياسي بدل الحياد المطلوب، صحيح أن التجارب الانتخابية السابقة رسّخت
صورة وزارة الداخلية كفاعل رئيسي في صناعة الخريطة السياسية، أكثر منها كجهاز
إداري يسهر على ضمان نزاهة المنافسة .
من هنا يصبح
مطلب رجوع الوزارة خطوة إلى الخلف في انتخابات 2026، وقيامها بدور
"الحَكَم" لا "اللاعب"، مطلباً جوهرياً لإعادة الثقة في
المؤسسات والعملية الديمقراطية برمتها.
جيل اليوم،
جيل "زد"، ليس كما كان جيل الأمس، هو أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا وأكثر
وعياً بحقوقه وأكثر رفضاً للحكرة، هذا الجيل يراقب ويحاسب ويعبر عن مواقفه بقوة،
وأي محاولة لإقصائه أو مواجهته بالهراوات لن تزيد إلا في تعميق الهوة بين الدولة
ومواطنيها، الديمقراطية في جوهرها هي قبول بنتائج الصناديق مهما كانت، لأنها تعكس
الإرادة الشعبية، أما القمع وفرض النتائج فهو وصمة لن تزول، تظل راسخة في ذاكرة
المواطنين وتنتقل من جيل إلى جيل كرمز للظلم والتسلط.
المرحلة
المقبلة، إذا أُريد لها أن تكون محطة ثقة وتجديد، تستدعي شجاعة سياسية حقيقية من
الدولة، واعترافاً صريحاً بأن الديمقراطية ليست مجرد شعارات، بل ممارسة واقعية
تسمح للفرقاء السياسيين بالتباري الحر على قيادة البلد، حينها فقط يمكن القول إن
المغرب يتجه فعلاً نحو بناء دولة قوية بمؤسساتها، دولة تنصت لمواطنيها ولا تخشى من
نتائج صناديق الاقتراع.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك