أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
يشكّل التداخل بين المال والسلطة أحد أبرز الإشكالات البنيوية في الحياة السياسية المغربية خلال العقد الأخير، غير أن هذا التداخل بلغ مستويات غير مسبوقة مع تشكيل حكومة عزيز أخنوش سنة 2021.
فصعود ملياردير ورئيس مجموعة اقتصادية عملاقة إلى رأس السلطة التنفيذية أعاد طرح سؤال جوهري: هل يمكن للدولة أن تضمن استقلال القرار السياسي في ظل وجود فاعلين اقتصاديين يملكون نفوذاً يضاهي قوة المؤسسات الدستورية؟
هذا التقرير يرصد بجرأة كيف تحوّل المال إلى أداة نفوذ سياسي، وكيف أصبحت حكومة أخنوش النموذج الأكثر وضوحاً لهذا التحوّل.
رجل أعمال في كرسي رئاسة الحكومة:تضارب مصالح أم نموذج "الطبيعة الجديدة للسلطة"؟
تولّي عزيز أخنوش رئاسة الحكومة لم يكن حدثاً عادياً، فهو لم يأتِ من مدرسة العمل السياسي التقليدي، بل من عالم المال والأعمال، حيث تملك مجموعته "أكوا" نفوذاً ضخماً في قطاعات حيوية مثل:
• المحروقات
• الغاز
• الزراعة
• التوزيع
• اللوجستيك
وجود رجل أعمال على رأس الحكومة يُطرح معه تساؤل مشروع:
كيف يمكن لرئيس حكومة أن يضع قوانين تُنظّم قطاعات يملك فيها مصالح مباشرة؟
رغم وجود قوانين لمنع تضارب المصالح، إلا أن الواقع العملي يكشف أن "الفصل" بين السلطة السياسية والاقتصادية ظل شكلياً، وفتح الباب أمام واحدة من أكثر الفترات إثارة للجدل في تاريخ الحكامة المغربية.
حكومة بتركيبة اقتصادية: وزراء من عالم البزنس أكثر من عالم السياسة
تشكيلة حكومة أخنوش تضم وزراء ومسؤولين نافذين قادمين من:
• شركات كبرى
• لوبيات اقتصادية
• مقاولات متعددة الأنشطة
وهو ما يجعل الحكومة تبدو، في نظر منتقديها، نموذجاً لـ “حكومة تكنوقراط اقتصادية” أكثر من كونها تمثيلًا ديمقراطياً للإرادة الشعبية.
هذا الطابع التقني الأبوي جعل القرارات الاقتصادية تميل لخدمة منطق السوق الحر والليبرالية المفرطة، في غياب سياسات اجتماعية قوية تضمن توزيعاً عادلاً للثروة.
صعود أخنوش وارتفاع أسعار المحروقات
من أبرز الملفات التي شكّلت رمزاً لتأثير المال على السلطة: ملف المحروقات.
فمنذ تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، ظهرت شركات توزيع كبرى — من بينها شركات مملوكة لمجموعة رئيس الحكومة — كأكبر المستفيدين من غياب رقابة الدولة على الأسعار.
فبعد وصول أخنوش إلى رئاسة الحكومة:
• ارتفعت أسعار البنزين والغازوال لمستويات قياسية
• لم يتم تفعيل أي آلية للضبط أو تسقيف الأسعار
• غابت مراقبة حقيقية لهوامش الربح
• تكررت الاحتجاجات دون تدخل حكومي جدي
وبالتالي، بدا وكأن المال أصبح محمياً بسلطة القرار أكثر من حماية المواطنين من لهيب الأسعار.
اللوبيات الاقتصادية: من تأثير غير مباشر إلى حضور مباشر داخل السلطة
المال لم يعد مجرد قوة ضغط، بل أصبح جزءاً من بنية الحكم من خلال:
1. التحكم في القرارات الاقتصادية الكبرى
خاصة تلك المتعلقة بـ:
• الاستثمار
• العقار
• الطاقة
• الفلاحة
2. التأثير في السياسات العمومية
من خلال جماعات الضغط الاقتصادية التي ساهمت في:
• توجيه السياسات الضريبية
• تأخير إصلاحات حساسة مثل تسقيف الأسعار
• الدفع نحو مشاريع تخدم القطاعات التي تسيطر عليها الشركات الكبرى
3. التحكم في بعض المناصب الحكومية
حيث يتم اختيار وزراء من القطاع الخاص، ما يعزز "رؤية اقتصادية" على حساب "الرؤية الاجتماعية".
الضحايا: الطبقة المتوسطة والفئات الهشة
نتيجة هذا التداخل بين المال والسلطة، ظهرت آثار مباشرة على المجتمع المغربي:
1. ارتفاع كلفة المعيشة
• محروقات باهظة
• أسعار نقل مرتفعة
• ارتفاع المواد الغذائية
• تراجع القدرة الشرائية
2. ضعف السياسات الاجتماعية
رغم الوعود، ظلت:
• الصحة
• التعليم
• الشغل
• الحماية الاجتماعية
في مراتب متأخرة مقارنة بالتركيز على الاستثمارات الكبرى والمشاريع الاقتصادية.
3. غياب العدالة الجبائية
المقاولات الكبرى تستفيد من إعفاءات أو أنظمة ضريبية مرنة، بينما المواطنين الصغار يتحملون العبء الضريبي الأكبر.
هل أصبح المال أقوى من السياسة؟
التجربة الحكومية الحالية أبرزت تحولاً عميقاً في بنية الحكم:
الاقتصاد أصبح محرّكاً للقرار السياسي، وليس العكس.
ورجال الأعمال لم يعودوا مجرد ممولين للأحزاب، بل أصبحوا قادة لها ومديري مؤسسات الدولة.
هذا التوجه قد يؤدي على المدى الطويل إلى:
• اختلال ميزان القوى
• تركيز الثروة في يد أقلية
• ضعف مؤسسات الرقابة
• فقدان الثقة في السياسة
• انفصال الدولة عن المجتمع
نموذج أخنوش ليس حالة استثنائية بل هو نتيجة مسار طويل
تداخل المال والسلطة لم يبدأ مع حكومة أخنوش، لكنه بلغ معها ذروته، حيث تبلور نموذج جديد للحكم في المغرب:
رأسمالية سياسية بقواعد غير متكافئة
تتيح للأقوياء اقتصادياً دخول السلطة والتحكم في مسارها.
ومع استمرار هذا التوجه، يصبح السؤال المطروح هو:
هل يستطيع المغرب بناء نموذج سياسي يخدم المواطنين، أم سيستمر نموذج “المال أولاً… والباقي تفاصيل”؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك