أنتلجنسيا المغرب:فتيحة الوديع
يتزايد الجدل في المغرب حول اتساع رقعة التهرب الضريبي، بعدما تحول إلى منظومة كاملة تُدار من داخل مكاتب فاخرة لا من الأزقة الخلفية.
فبينما تُحاصر السلطات صغار التجار والمهنيين بإجراءات المراقبة والغرامات، تواصل شبكات نافذة، تضم رجال أعمال ومسؤولين سابقين ولوبيات اقتصادية، بناء أنظمة معقدة للتهرب من أداء الضرائب، بعضها قائم على شركات وهمية تُستخدم فقط لإصدار “فواتير مُزورة” تُخفي الأرباح الحقيقية وتُهرّب المليارات خارج المراقبة.
مصادر ضريبية تؤكد أن التهرب الضريبي لم يعد حالة فردية أو أخطاء محاسبية، بل أصبح نشاطاً اقتصادياً منظماً تحكمه شبكات متخصصة في “بيع الفواتير”، حيث تُنشئ شركات جوفاء بلا نشاط فعلي، هدفها الوحيد تبييض نفقات وهمية لزبائن كبار مقابل عمولات ضخمة.
وتفيد المعطيات أن عدداً من هذه الشركات يرتبط بشخصيات نافذة تستفيد من حماية غير رسمية تمنع تحريك الملفات أو تدفع نحو إقبارها قبل وصولها إلى القضاء.
هذا الوضع يكشف مفارقة خطيرة، الدولة تبحث عن موارد إضافية، لكنها تخسر سنوياً مليارات الدراهم بسبب التهرب الضريبي من فوق، بينما تحاول تعويض ذلك بالضغط على الطبقة الوسطى والصغرى.
ويؤكد خبراء أن وجود “اقتصاد فواتير” يعمل في الظل يعيد إنتاج الريع ويُفرغ الإصلاحات من مضمونها، ويحوّل الاقتصاد الرسمي إلى مجرد واجهة تُدار من خلفها مصالح مافيات مالية تحظى بتسهيلات وإعفاءات بحكم النفوذ والعلاقات.
فالتهرب الضريبي في المغرب لم يعد مجرد مشكلة مالية، بل صار قضية سياسية بامتياز، لأنها تمس العدالة الاجتماعية وشفافية الدولة وتكافؤ الفرص.
وفي ظل غياب إرادة حقيقية لفتح ملفات كبار المتهربين، يظل النظام الضريبي مجرد أداة لمعاقبة الضعفاء وحماية الأقوياء، بينما يستمر نزيف المداخيل العمومية دون محاسبة أو إصلاح جذري.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك