أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
تؤكد مراجع بحثية وتقارير إعلامية دولية، منذ سنوات، أن تجارة المخدرات في المغرب ليست مجرد نشاط إجرامي معزول، بل اقتصاد موازٍ ضخم يرتبط بشكل مباشر بمنظومات النفوذ التقليدية، ويستفيد من شبكات حماية تمتد من الحدود إلى أجهزة الإدارة الترابية، في غياب قدرة حقيقية للدولة الرسمية على المواجهة.
ويُعتبر المغرب من أكبر منتجي القنب الهندي في العالم، ما يجعل السؤال أكثر من مشروع:كيف يمكن لاقتصاد بهذا الحجم أن يستمر دون اختراق المنظومة؟
اتهامات دولية ووثائق مسربة تكشف المستور
عدة تقارير، أبرزها تلك الصادرة عن مؤسسات أوروبية وأمريكية، أثارت وجود تداخلات خطيرة بين شبكات تهريب المخدرات وبعض دوائر السلطة في المغرب، وتحدثت التسريبات عن:
-حماية بعض “البارونات” مقابل خدمات مالية وسياسية.
-تورط منتخبين ووسطاء محليين في تسهيل المسارات اللوجستية.
-تدخل مسؤولين لمنع متابعات قضائية أو للتخفيف من الأحكام.
هذه الاتهامات لم يتم نفيها بشكل مؤسساتي قوي، ولم تُفتح بشأنها ملفات قضائية مستقلة، ما جعل الصمت الرسمي يُقرأ كعلامة ضعف أو علامة رضا.
الصناديق السوداء:الوجه الآخر للمال غير المعلن
يُجمع خبراء الاقتصاد السياسي، على أن المغرب يتوفر على شبكة من “الصناديق السوداء”، التي تُموَّل خارج الميزانية العامة، وتستعمل في:
-عمليات استخباراتية غير قابلة للكشف.
-دعم سياسي لشخصيات أو أحزاب “مضمونة”.
-تمويل تحركات خارجية وأجهزة حساسة.
-تغذية آليات الضبط الاجتماعي في مناطق النفوذ.
كما تشير تقديرات غير رسمية، إلى أن جزءاً من هذه الأموال قد يأتي من اقتصاد المخدرات، خصوصاً أن هذا النوع من الأنشطة يوفر سيولة ضخمة يصعب تتبعها.
الدولة العميقة وهندسة للسيطرة لا لمكافحة التهريب
يذهب محللون إلى أن “المخزن”، باعتباره بنية قوة متجذرة في الدولة، لا يشتغل بمنطق القضاء على تجارة المخدرات، بل بمنطق إدارتها وضبطهان فهي تُترك لتشتغل بشروط لأنها توفر:
-موارد مالية غير خاضعة للرقابة.
-نفوذاً على مناطق كانت تاريخياً خارج سيطرة الدولة.
-أداة لشراء الولاءات على المستوى المحلي.
-آلية لتوزيع الريع على شبكات الموالين.
هذا النموذج يجعل محاربة التهريب مجرد “خطاب رسمي”، بينما تُدار الحقيقة في الكواليس تحت مسمى “الحفاظ على الاستقرار”.
عقود من “التطبيع” مع اقتصاد المخدرات
يُجمع الباحثون على أن المشكلة ليست في وجود التهريب، بل في تاريخ طويل من التطبيع معه، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، كانت مناطق الريف والشمال تُستعمل كخزان انتخابي وسياسي واقتصادي قائم على الريع والحماية المتبادلة.
وبدل القضاء على الظاهرة، تم استعمالها كأداة إدارة محلية، ما أفرز:
-بارونات يتحركون بثقة داخل مؤسسات الدولة.
-أموال ضخمة تُضَخ في حملات انتخابية.
-شبكات مصالح تتقاطع فيها السلطة والمال.
-غياب الدولة أم تحييد الدولة؟
وأمام هذا الوضع، يطرح السؤال الأكبر:هل تعجز الدولة الرسمية عن السيطرة؟ أم أنها مُحيَّدة لصالح أجهزة أخرى أقوى وأعمق تغذي اقتصاد الظل لخدمة توازنات سياسية دقيقة؟
فوجود أجهزة أمنية قوية وقادرة على ملاحقة المعارضين والنشطاء بدقة، مقابل فشلها في ضرب شبكات تهريب بمليارات الدولارات، يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن المشكل ليس في القدرة، بل في الإرادة.
عموما، فسواء تعلق الأمر باتهامات ثابتة أو بوقائع “غير مكتملة الأدلة”، فإن الحقيقة واحدة:
اقتصاد المخدرات في المغرب ليس مجرد نشاط خارج القانون، بل هو جزء من بنية سلطة اقتصادية وسياسية معقدة، تستفيد منها الدولة العميقة في تمويل الصناديق السوداء والتحكم في خرائط النفوذ.
والنتيجة؟دولة بميزانيتين:ميزانية معلنة للمواطنين، وميزانية خفية تُغذيها طرق لا يعرفها أحد ولا يحاسب عليها أحد.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك