أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار النفط ومشتقاته في الأسواق العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ شهور، يواصل المواطن المغربي دفع الفاتورة الأغلى في المنطقة، بعدما تحوّلت محطات الوقود إلى رمز صارخ لغياب الشفافية واستمرار الاحتكار الصريح لسوق يعتبر شريان الاقتصاد الوطني.
ورغم الانخفاض الدولي المتكرر، ظل سعر اللتر في المغرب جامداً فوق عتبة الارتفاع، في مشهد يختزل فشل الحكومة ويكشف المستفيدين الحقيقيين من هذه الأزمة المفتعلة.
أخنوش:رجل الحكومة ورجل السوق في آن واحد
يتحمّل رئيس الحكومة عزيز أخنوش المسؤولية السياسية المباشرة عن هذه الأزمة، ليس فقط بحكم موقعه التنفيذي، بل أيضاً باعتباره أحد أبرز المتحكمين تاريخياً في سوق المحروقات عبر مجموعته الاقتصادية المعروفة.
وهو وضع غير مسبوق في أي دولة ديمقراطية، حيث يجمع رئيس السلطة التنفيذية بين سلطة القرار وسلطة السوق، في تضارب مصالح صارخ يضرب جوهر المنافسة الشريفة ويجعل كل الوعود الحكومية حول “تحسين القدرة الشرائية” مجرد شعارات جوفاء.
ورغم المطالب الشعبية والسياسية المتكررة بفتح تحقيق شامل حول هوامش الربح الخيالية التي تراكمها شركات التوزيع، تفضّل الحكومة الصمت، بينما تستمر الأرباح في الارتفاع والأسعار في التصعيد.
الدولة العميقة أو المخزن:الحماية المطلقة وغياب المحاسبة
الاستمرار الفاضح لارتفاع الأسعار، رغم كل المعطيات الدولية، يعيد إلى الواجهة دور “الدولة العميقة” أو “المخزن” الذي يوفر للحكومة غطاءً سياسياً يحول دون أي مساءلة حقيقية.
فحين يتحول موضوع يمسّ ملايين المغاربة إلى ملف محظور، وتغيب لجان التقصي، ويسقط مطلب تسقيف الأسعار أو فرض ضريبة استثنائية على الأرباح من النقاش العمومي، يصبح واضحاً أن اللوبي المسيطر على المحروقات يتمتع بحماية فوق المحاسبة.
المخزن، بصمته وتدخّلاته الانتقائية، يوفر مظلة تضمن استمرار الوضع كما هو، لأن المسألة لم تعد اقتصادية فقط، بل تحولت إلى منظومة مصالح متشابكة يصعب اختراقها ما دام القرار موزعاً بين السياسي والاقتصادي والأمني.
المغاربة تحت الضغط والحكومة خارج التغطية
المؤشرات الميدانية تؤكد أن أسعار النقل ارتفعت، والمواد الأساسية قفزت، وسلسلة التضخم ما زالت تضرب كل بيت، بينما الحكومة تواصل تبريراتها المعتادة: “الأسواق الدولية… الظروف المناخية… التوازنات الماكرو-اقتصادية”.
لكن الواقع يكذب هذه الرواية، ففي الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط في عدة دول بأكثر من 25%، بقي السعر في المغرب شبه ثابت، بل وسيرتفع مع كل مناسبة أو عطلة أو موجة استهلاك.
فالمواطن اليوم يدفع الثمن مرتين، مرة حين يملأ خزان سيارته، ومرة حين يشتري الخضر والمواد الغذائية التي ترتفع أسعارها مع كل زيادة في السولار والبنزين.
وبينما تتعمق الأزمة، تغيب الحكومة ورئيسها عن المشهد، تاركين الشارع يغلي، والمواطن يواجه قدره منفرداً.
أسئلة تفرض نفسها ولا جواب
لماذا لا تتراجع أسعار المحروقات في المغرب رغم الانخفاض العالمي؟
من يستفيد من إبقاء الأسعار مرتفعة؟
لماذا لا تتدخل الحكومة رغم امتلاكها كل الصلاحيات؟
ولماذا يلتزم المخزن الصمت رغم أن الأزمة تهدد الاستقرار الاجتماعي؟
أسئلة يعرف المغاربة أجوبتها جيداً، لكنها تنتظر من يجرؤ على طرحها داخل المؤسسات، في بلد ما زالت فيه مصالح قلة تتحكم في مصير الملايين.
خلاصة القول، إن ما يحدث في سوق المحروقات ليس مجرد خلل اقتصادي، بل فضيحة سياسية وأخلاقية واقتصادية مكتملة الأركان.
حيث، حكومة يرأسها رجل أعمال يسيطر على القطاع، ومخزن يمنح غطاءً للصمت، وشعب يؤدي فاتورة لا تنتهي.
وكل ذلك في زمن يُفترض فيه أن تكون الدولة الاجتماعية أولوية… لكنها في الواقع آخر ما تفكر فيه السلطة.
فإذا استمرت هذه المنظومة على حالها، فإن أسعار المحروقات ستبقى مرتفعة حتى لو أصبح النفط مجانياً في الأسواق العالمية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك